كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
مشهدية جديدة من المتوقع ان تلقى رواجاً أكبر في المرحلة المقبلة وتتمثّل بفرض تسعيرة الدولار النقدي على السلع الاستهلاكية، علماً انّ بعض التجار بدأوا باعتمادها، على ان تُستثنى منها الملاحم ومحلات الخضار والفاكهة والسلع الغذائية في توجُّه قسري نحو الاقتصاد المدولر. في الموازاة، بدأ مصرف لبنان خفض الاعتمادات للسلع المدعومة ما ساهم في زيادة الطلب على الدولار. ومن المتوقع ان تؤمّن السوق السوداء حوالى 7 مليارات دولار للاستيراد هذا العام مقارنة مع 5 مليارات العام الماضي.
دفع التدهور الدراماتيكي الذي شهدته الليرة اللبنانية يوم السبت، بوصول سعر الصرف في السوق الموازي الى 12500 ليرة مقابل الدولار، بعض المؤسسات التجارية الى إقفال محالها في خطوة تكررت أكثر من مرة في الفترة الاخيرة كخطوة احترازية للحد من خسائرها بسبب الضياع في التسعير الذي تعيشه، والناجم عن التقلب المستمر للدولار بنسبة مرتفعة وفي أوقات زمنية قصيرة. فكيف تستعد هذه المؤسسات للمرحلة الاسوأ حيث من المتوقع ان يستمر سعر الدولار في التحليق؟ وكيف ستحمي رأسمالها التشغيلي في المرحلة المقبلة؟
يؤكد عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال ان الاقفالات التي حصلت السبت أتت بقرار فردي نتيجة التدهور المتسارع في سعر الصرف وليس بقرار من الهيئات التجارية، والذين أقفلوا هم بشكل خاص التجار الذين لا زالوا يعتمدون تسعيرة الـ7500 او 8000 ليرة للدولار وهؤلاء يخشون من تآكل رأسمالهم التشغيلي ومن عدم قدرتهم على شراء البضاعة مجدداً مع الارتفاع الذي سجله الدولار، لذا ارتأوا الاقفال. والأخطر في هذه العملية ظاهرة إقدام بعض صغار التجار على الشراء من عند كبار التجار الذين لا تزال تسعيرتهم مخفّضة او مقبولة، ثم يعمدون الى بيعها في متاجرهم بسعر مرتفع وفق دولار السوق. لكن العدد الأكبر من التجار، خصوصاً المستوردين وتجار الجملة، ما عادوا يقبلون البيع الا مقابل عملة الدولار حفاظاً على رأسمالهم وقيمة مخزونهم، لذا ما عادوا يتأثرون بتقلبات أسعار الصرف.
وقال رمال لـ»الجمهورية»: هناك حالة ضياع في صفوف التجار في سعيهم الى إيجاد توازن ما بين طريقة التسعير والمحافظة على الرأسمال، خصوصاً انّ استمرار البيع على سعر صرف منخفض لن يمكّنهم من شراء المزيد من البضاعة، وهذا ما حصل عندما ارتفع الدولار الى 10 الاف ليرة لأول مرة مطلع الصيف فعمدوا الى اقفال متاجرهم. وهنا نتحدث خصوصا عن صغار التجار الذين ما عاد في مقدورهم العيش من ربح البيع لأن الربح ما عاد يتحقق. ورأى ان الخسارة اليوم تقع بالتساوي على التاجر والمستهلك لأنهما الشخص نفسه، فالتاجر اذا لم يسعّر وفق سعر الصرف في السوق الموازي لن يتمكن كمستهلك من تأمين السلع الغذائية والاستهلاكية لعائلته.
وكشف رمال انه بعد إعادة فتح البلاد، غالبية الشركات اعتمدت التسعير بالدولار وما عادت تقبل الدفع بالليرة اللبنانية. وقال: بعد احداث 17 تشرين 2020 عندما بدأ سعر الصرف يتغير اتجهت السوق اكثر نحو التسعير بالدولار، لكن اعتبارا من شهر نيسان 2020 عادت السوق لتتجه نحو اعتماد الليرة اللبنانية هرباً من القبول بشيكات بالدولار والفيزا كارد، لكن بعد هذه الأزمة والتدهور المتسارع لليرة بدأت ظاهرة التسعير بالدولار، وسنلاحظ تباعاً ان كل شيء سيعتمد التسعير بالدولار باستثناء السوبرماركت والملاحم ومحلات الخضار والفاكهة، لافتاً الى ان التجار خسروا خلال هذه الأزمة أكثر من 50 في المئة من رساميلهم. لذا، انّ التسعير بالدولار هو الحل الوحيد ليحافظوا على وجودهم، ومن شأن هذه الخطوة ان ترفع الطلب على الدولار ليصبح اقتصادنا مدولراً من جديد.
وعَزا رمال ارتفاع سعر الصرف الى سببين أساسيين، الأول: شراء المصارف الدولارات من السوق الموازي لتطبيق التعميم 154، والثاني إعادة فتح البلاد بعد الاغلاق القسري بسبب كورونا ما خلق حاجة للاستهلاك أكثر، وبالتالي زاد الطلب على الدولار للاستيراد.
لكن الى جانب هذين السببين يضاف عامل أساسي يتمثل بتقليص تغطية مصرف لبنان للجزء الأكبر من الاعتمادات التي كانت تؤمّن كمواد مدعومة. وبإحجام المصرف عن فتح الاعتمادات المطلوبة، غالباً ما يلجأ التاجر الى السوق الموازي لتأمين حاجته من الدولارات لاستيراد السكر والرز والحليب لبيعها من دون دعم، بما يعني ان جزءا كبيرا من الدولارات التي كان يؤمّنها مصرف لبنان وفق سعر 1500 ليرة او 3900 ليرة باتت تتحول تدريجا كطلب من السوق السوداء.
أضاف: كلما تشدد مصرف لبنان أكثر في فتح الاعتمادات كلما زاد ضغط التجار على السوق السوداء، ما يعني اننا نتجه تلقائياً الى رفع سعر الصرف بشكل يومي واسبوعي.
وتابع: إستوردنا في العام 2020 ما مجموعه 11 مليار دولار، 6 مليارات منها مدعومة و5 مليارات غير مدعومة. وتوقّع ان نستورد هذا العام ما مجموعه 9 مليارات دولار، 7 مليارات منها سيتم تأمينها من السوق السوداء و2 مليار مدعومة من مصرف لبنان. وكأبعد تقدير قد يكون 6 مليارات دولار من السوق السوداء و3 مليارات مدعومة من المركزي، لذا من البديهي ان يحلّق سعر الدولار الى سقوف غير معروفة.
فهد
بدوره، أكد نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد انّ هذا القطاع ملتزم بعدم تغيير أسعاره قبل تسلّم أي لائحة أسعار جديدة من قبل الموردين، فتدني سعر الصرف ما بين 25 الى 30 % في خلال 48 ساعة يعرّض وجودنا واستمراريتنا للخطر بحيث لن يكون في مقدورنا ان نستمر في شراء السلع بدلاً من تلك التي بيعت لتعبئة الرفوف مجدداً. واكد فهد ان عدم استقرار سعر الصرف ينعكس تراجعا في الرأسمال التشغيلي للمؤسسات، وهذا ما يبرر إقدام بعض المؤسسات التجارية يوم السبت الماضي على إقفال أبوابها وتوقفها عن البيع، إنما السوبرماركات لا يمكنها ان تلجأ الى هذه الخطوة لأنها ملتزمة بتأمين المواد الغذائية للمستهلكين.
وعمّا اذا كانت متاجر المواد الغذائية ستحذو حذو بقية التجار وتعتمد التسعير بالدولار، قال فهد: الأفضل ان تُسعّر السلع بالدولار، هذا هو الحل المثالي لديمومة المؤسسات ولكي يحصل المواطن على السلع بأسعارها الحقيقية، لافتا الى انه عندما يتم تسعير السلعة بالليرة يُترك هامش لارتفاع السعر، وبهذه الطريقة غالباً ما يدفع المواطن ثمن السلعة أكثر من ثمنها الحقيقي، وأحيانا اقل. لذا، يعتبر التسعير بالدولار هو الحل المثالي، لكن لا يمكننا اعتماد هذه الطريقة حالياً في ظل الفوضى المالية والنقدية القائمة مع 4 او 5 أسعار للدولار ما بين سعر رسمي وسعر منصة وسعر السوق الموازي وسعر المصارف.
من جهة أخرى، إستنكر فهد التعديات التي تحصل داخل السوبرماركات والتحريض المستمر تجاه المؤسسات التي تخدم الناس وتؤمّن لهم المواد الغذائية، واعتبر انّ هذه التصرفات لا تساعد على استمرار توفير الخدمات للمستهلكين إنما على العكس تخلق لدينا خوفاً من توفير البضاعة المدعومة داخل متاجرنا وتأمين المواد الأساسية التي يحتاجها المستهلك.
وختم: «نطالب الدولة والقوى الأمنية بحمايتنا من التعديات، كما من واجب وزارة الاقتصاد والقوى الأمنية الكشف ومراقبة المتاجر التي تخبئ المواد المدعومة، وكل ما عدا ذلك هو تشجيع للخروج عن منطق الدولة والمؤسسات».