كتب رضا صوايا في “الاخبار”:
الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية (لحوم وخضار وفواكه) أدى إلى «اختفاء» كثير من «الطبخات» من البيوت وإغلاق مطاعم كثيرة أبوابها. وحدها محال الـ«سناك»، رغم أنها «تربلت» أسعارها، تشهد «انتعاشاً» نسبياً، ولكن مع تراجع العادات الشرائية للزبائن. كثيرون أصبحوا يكتفون بسندويش واحد، وإقبال على سندويشات الفلافل والبطاطا والقرنبيط بعدما باتت اللحوم خارج قدرة كثيرين على «الظفر» بها.
تبدّلت الأسئلة الغذائية التي كان اللبنانيون يطرحونها على أنفسهم. أصبح همّ معرفة إن كان الغذاء متوفراً يسبق السؤال حول نوعيته. أساساً الجواب عن السؤال الأخير أصبح سهلاً مع تناقص الخيارات، فشراء اللحمة بات من المستحيلات، والخضار تُشترى بكميات محدودة. أما جلسات «المشاوي والشباب» فذكرى من أيام «الزمن الجميل» بعدما قضى عليها الانهيار الاقتصادي وفيروس كورونا.
في تقرير «تقييم الأمن الغذائي تموز – آب 2020»، الصادر عن منظمة الغذاء العالميّة أخيراً، تبيّن أن 40% من الأسر المقيمة في لبنان تعاني من صعوبات في الوصول إلى الغذاء وتحديداً في عكار (55%) والهرمل (48%). وكشف أن 19% من الأسر تستهلك وجبات غذائية غير كافية خصوصاً في عكار (38%) والشمال (27%) وبعلبك الهرمل (25%). وتعتمد 87% من الأسر على غذاء أقل كلفة وأقل تفضيلاً، فيما خفّضت 56% من الأسر من الحصص الغذائية، وقالت 55% من الأسر إنها لا تملك الكمية اللازمة من الغذاء.
ويزيد الأمور سوءاً أن التقرير أُعدّ في وقت كان سعر صرف الدولار في «خانة» السبعة آلاف ليرة، فيما تخطّى قبل يومين الـ 12 ألفاً، ناهيك عن انعكاسات انفجار المرفأ وتفاقم أزمة كورونا اللذين زادا من أعداد العاطلين من العمل بشكل كبير.
محلات الفلافل والسندويشات والـ«سناك»، شأنها شأن كل شيء آخر، ضاعفت أسعارها مرتين وثلاثاً. لكنها، وعكس كل شيء آخر، تشهد «انتعاشاً». إذ أن أسعارها لا تزال في «المتناول». سندويش الدجاج في مطعم «سندويش ونص»، مثلاً، صمد طويلاً عند 6500 ليرة قبل أن يرتفع أخيراً إلى 10 آلاف ليرة، لا يزال «متعاطو اللحوم» قادرين على توفيرها، رغم أن «كثيرين باتوا يكتفون بسندويش واحد بدل اثنين»، بحسب موظف في أحد الفروع. سعر سندويش الفلافل في سناك «فلافل أبو أندريه»، مثالاً آخر، ارتفع من 3 آلاف ليرة إلى 9 آلاف، ولدى «فلافل فريحة» من 3500 ليرة إلى 7 آلاف. «2 فلافل بيشبّعوا وسعرن أقل من سعر سندويش شقف في أي مكان آخر»، وفق أحدهم.
رغم ذلك تتزايد، بحسب مدير أحد الـ«سناكات»، ظاهرة من يستفسرون عن الأسعار ويغادرون من دون أن يشتروا شيئاً، أما المقبّلات فأصبح الطلب عليها «نادراً جداً بعدما زاد سعر صحن الحمص، على سبيل المثال، من 7 آلاف ليرة إلى 14 ألفاً». ويلفت إلى أن «الطلب زاد على سندويشات البطاطا والقرنبيط لكونها أرخص وسعرها لا يتعدى 6500 ليرة»، أما طلب «جبنة زيادة» على أي سندويش فيكاد يختفي بعدما باتت هذه الزيادة تكلف 2500 ليرة إضافية على السعر بدل 1000 ليرة».
ويُعزى ذلك إلى ارتفاع الكلفة على المطاعم بشكل كبير. يقول مدير فروع «فلافل أبو أندريه» جاد لطفي إلى أن «سعر الزيت زاد بنسبة 30% تقريباً، وسعر جبنة الشيدر بـ 30% أيضاً، وجرة الغاز تضاعف سعرها، فيما سعر كيلو البندورة قفز من ألف ليرة إلى 5 آلاف… وحتى الأوراق التي نلفّ بها السندويشات ارتفع سعرها ولم نعُد نطبع علامة المطعم عليها للتوفير». أضف إلى ذلك «الكلفة المرتفعة جداً لكل المواد الغذائية ناهيك عن الإيجارات والكهرباء ورواتب الموظفين وكلفة الصيانة» بحسب صاحب أحد الـ«سناكات».
«انتعاش» عمل هذه المحال ليس شاملاً بل يختلف بين المناطق وحتى ضمن المنطقة الواحدة. «تشعر بعمق الأزمة كلما اتجهت شمالاً. في طرابلس، اضطررنا إلى إغلاق فرعنا هناك بسبب تراجع النشاط»، يقول لطفي، فيما يشير مدير أحد فروع «فلافل فريحة» إلى أن فرع الأشرفية في بيروت، مثلاً، أكثر إنتاجية من فرعَي عين الرمانة وفرن الشباك.
طوني الرامي، نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري، يؤكد أن «العمل في السناكات رائج ووضعها نسبياً أفضل من المطاعم». لكنه يشير إلى أن «القاعدة المتّبعة في القطاع المطعمي هي: على قد ما بتشتغل على قد ما بتخسر. ولفت إلى أن «50% من المؤسسات العاملة في القطاع أقفلت، وتعبنا من النق. طالبنا بدولار سياحي ولم نحصل عليه. طالبنا بخطة إعفائية ولم نحصل عليها، وندرك أن الدولة غير القادرة على مواصلة دعم المواد الأساسية والدواء لن تكون قادرة على دعمنا».