كتبت لينا فخر الدين في “الاخبار”:
من يُحصّل للنّاس حقوقهم، يبحث عمّن يُحصّل له حقوقه. هذا واقع المحامين الذين يشكون من أن أعمالهم شبه متوقّفة منذ عامين. بدأ الأمر مع اعتكاف القضاة وتوقّف الجلسات، مروراً بإضراب المحامين والتحركات الاحتجاجيّة والأزمة الاقتصادية، وصولاً إلى تداعيات جائحة كورونا. كلّ ذلك حوّل هؤلاء إلى عاطلين عن العمل، من دون أن تحرّك نقابتهم ساكناً.
يوماً بعد آخر، تكبر نقمة كثير من المحامين على أداء نقابتهم. تطول لائحة الملاحظات على مجلس النقابة المتّهم بإدارة الظهر لأوجاعهم في ظلّ انهيار اقتصادي تامّ. ويأخذ عدد من المحامين على النقيب ملحم خلف أنه «بعيد عن هموم أبناء المهنة». فالرّجل الذي يفتح أبوابه للجميع ويقف «وقفة جبل» عند المساس بهم، «يخوض معارك جانبيّة لا ناقة للمحامين فيها ولا جمل»، وهو «لا يلتفت إلى معاناة المحامين الاقتصاديّة، وبدلاً من ذلك حوّل النقابة إلى «جمعيّة فرح العطاء 2»، و«سخّرها لخدمة أهداف ثوريّة واجتماعيّة، فيما كثير من المحامين يموتون جوعاً».
التأمين الصحي
أول المآخذ على خلف هو عقد التأمين الصحي مع شركة «Glob med». بدأت القصة العام الماضي عندما أصرّ المجلس على ربط التغطية الصحية للمحامين بتسديد رسوم النقابة (800 ألف ليرة)، وحرمان من لا يدفع من التأمين. بعدها، مدّد المجلس المنتخب عقداً مع «Glob med» لإدارة صندوق التعاضد الخاص بالنقابة، ليتبيّن «أنّنا سُرقنا»، وفق ما يقول محامون، بسبب تراجع خدمات العقود التأمينيّة وعدم تغطيتها لنفقات عدد من الفحوصات والعلاجات (صورة الرنين المغناطيسي، فحص الحساسيّة…). وتفجّر الخلاف مع «انفجار كورونا»، عندما اكتشف محامون أصيبوا بالعدوى أنّ العقد لا يغطي كلفة الاستشفاء. وبعد أخذ ورد، انتهى الأمر بتغطية الكلفة الاستشفائيّة عن شهرَي كانون الثاني وشباط الماضيين فقط، بعدما اشترى صندوق النقابة بواليص تأمين للمحامين وأهاليهم لتغطية مصابي كورونا خلال هذين الشهرين من شركة «Libano swisse»، لعدم تكبيد المحامين دفع المستحقات الماليّة من جيوبهم.
وعليه، بدأ أعضاء مجلس النقابة اجتماعات، منذ نحو شهر، لجوجلة الأفكار عشية انتهاء مدّة العقد في 31 آذار الجاري، وسط كثير من الأسئلة: هل يدفع العقد بالدولار أم بالليرة كما في العام الماضي؟ هل يُجدّد للشركة نفسها، علماً بأنّ التوقيع مع شركة أخرى يحرم بعض المحامين من تغطية تكاليف الأمراض المزمنة؟ كيف يمكن تحسين شروط العقد؟ هل تربط النقابة مجدّداً تغطية النفقات الاستشفائيّة بشرط دفع رسوم الانتساب؟
المنصّة الإلكترونية
يرفض معظم المحامين انتقاد خلف علناً، لأنّهم لا يريدون «وجع الراس»، ويؤكدون أنه «من أنزه النقباء وأكثرهم شفافيّة». وهو توجّه منذ أشهر مع أكثر من 720 محامياً إلى السجون بهدف تقديم معونة قضائيّة للسجناء، ويقدّم مساعدات ماديّة للموقوفين من صندوق «فرح العطاء» لا من صندوق النقابة. ولكن، على أهميّة ما يفعله النقيب لمساعدة الموقوفين، إلا أنّ ذلك يحصل «على حساب المحامين»، لافتين الى المنصة الإلكترونيّة التي أنشئت في آذار 2020 لتقديم الطلبات إلى الأقلام القضائيّة، ومنها تقديم طلبات إخلاء السبيل. إذ إن هذه المنصة «تطيح مجهود
المحامين وأتعابهم ولا تحفظ حقوقهم المعنويّة والماديّة. فأهل الموقوف يتواصلون مع النقابة التي تُرسل طلباً بإخلاء سبيل الموقوف إلى القلم المحدّد من دون التأكّد ممّا إذا كان لديه محامٍ تقاضى أتعابه»!
إهانات القضاء
ينوّه المحامون بصلابة النقيب وحماسته في الدّفاع عن أي محامٍ كما حصل في صدامات بين محامين والقوى الأمنية أخيراً. لكنّهم، في المقابل، يتحدثون عن «إهانات» يتعرّضون لها دورياً داخل قصور العدل ولا يعيرها النقيب اهتماماً. فالانتظار على أبواب بعض القضاة أو تغيّب هؤلاء عن الجلسات وإرجاؤها، وعدم إصدار الأحكام، وتضييع وقت المحامين من دون أن يكلّف القضاة أنفسهم عناء إعلان برنامج الجلسات… «كلّها إهانات تستحق أن يتحرّك خلف لحلّها». كما يأخذ المحامون على نقيبهم عدم الضغط على وزيرة العدل ومجلس القضاء الأعلى لتسيير أمورهم، كالضغط لتسجيل الشكاوى واللوائح الجوابيّة ولو تمّ حفظها بسبب تمديد المهل الإداريّة، باعتبار أنّ هذا ما يسمح لهم بالعمل ولو بالحدّ الأدنى.
خلف: هذه هي الأرقام
في المقابل، يرفض النقيب الدخول في تفاصيل المفاوضات حول عقد التغطية الصحيّة الجديد، ويشدّد على أنّ «هذا هو شغلنا الشاغل حالياً، والاجتماعات في النقابة على قدمٍ وساق لتوقيع أفضل عقد سيُفاجئ الزملاء».
ويشدّد خلف لـ«الأخبار» على أنّ المنصة الإلكترونية أُنشئت لحماية المحامين من كورونا ولتسهيل أعمالهم، مؤكّداً أنّ معظم طلبات إخلاء السبيل جرى تقديمها عبر المحامين. إذ إن هناك 6033 طلباً قُدّمت على المنصّة، 3769 منها استوفت الشروط المطلوبة. وبتّ القضاء بـ 2097 طلباً منها، وتمّت الموافقة على 473 طلب إخلاء سبيل ورفض 1624 طلباً. لذلك، «من غير المنطقي أن نطالب بما يضرّ بالسلامة العامّة وبصحّة الموظفين والمحامين معاً»، مذكراً بأنّ النقابة خسرت 16 محامياً بفيروس كورونا، إضافة إلى إصابة أكثر من 212 محامياً منذ مطلع العام الجاري.
يعتب خلف على من ينتقد أداء النقابة من دون مراجعته، «مع العلم بأن بابي وقلبي وعقلي مفتوح لأيّ زميل، وخصوصاً في هذه الظروف العصيبة»، مشدداً على أن «من واجب المحامين إبلاغه فوراً عن أي إهانة يتعرّضون لها حتّى تستطيع النقابة التحرّك»
مصادر قريبة من مجلس النقابة تلفت الى أن بعض الانتقادات تُستخدم اليوم لإطلاق النّار على خلف، وخصوصاً من المحامين الحزبيين، عشية التحضيرات للانتخابات المقبلة في أيّار المقبل (قبل بدء العطلة القضائيّة) لانتخاب نقيب جديد في تشرين الثاني المقبل، إضافة إلى أعضاء مجلس النقابة الذين انتهت ولايتهم منذ أشهر.