ثمة من استوقفه الكلام الوارد في بيان وزارة الخارجية الروسية، بعد لقاء وفد “حزب الله” حيث كان التأكيد على “تأليف حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري في أقرب وقت ممكن”، ما يعتبر تمسكاً بخيار الحريري.
لكن الأهم غاب عن هذا البعض. فقد ورد في ختام البيان “جدد وزير الخارجية سيرغي لافروف تمسك روسيا بإحلال سلام شامل في الشرق الأوسط بناء على القوانين الدولية ذات الصلة”. وإن دلّ هذا الكلام الى شيء فهو حتماً يثبت حنكة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي يعرف كيفية اقتناص الفرص بعد تجميد المبادرة الفرنسية سيما وأن إيران عبرت عن رفضها. وفي المرات التي كانت تحاكي فيها إيران المبادرة الفرنسية كانت عينها على الولايات المتحدة. فهل تنجح روسيا في اصطياد سمكة التشكيلة الحكومية في لبنان بعد عودة وفد “حزب الله” من روسيا يوم الخميس المقبل؟ وهل ستكون حكومة إنقاذ ومهمات أم مجرد “حكومة” في الشكل دون مضمون؟
“إذا أردت أن تعرف مستقبل لبنان بعد 6 أشهر، يكفي أن تنظر إلى وضع سوريا اليوم. نفس اللاعبين والمشكلة واحدة”. بهذه العبارة يقرأ مدير مركز المشرق للدراسات الدكتور سامي نادر خارطة لبنان الجديدة التي بدأت ترتسم معالمها في قراءاته الإستراتيجية منذ أكثر من 6 أشهر، “لكن اليوم ثمة إشارات أكثر عملانية بدأت تتظهر منها دخول اللاعب الروسي كمحاور دولي أساسي في المشرق العربي بعدما حقق نجاحه العسكري في سوريا من خلال دعم بشار الأسد منذ العالم 2015 وها هو اليوم يتوج نجاحاته العسكرية بانتصار ديبلوماسي”.
النتائج المرجوة من دخول روسيا على خط الأزمة اللبنانية قد يرشح عنها تشكيل حكومة “إنما حكومة غير قادرة على حلحلة الوضع الإقتصادي لأنها تحتاج إلى تحرير المساعدات المالية من أجل لبنان. وروسيا عاجزة عن تقديم أي دعم مالي في ظل ازمتها الإقتصادية. من هنا على إيران أن تدفع ثمنا ما لأن مطلق أية حكومة يكون حزب الله ممثلا فيها ستكون شكلية ولن تحصل على فلس واحد من المساعدات الدولية”.
ما لفت الدكتور نادر في البيان الصادر عن وزارة الخارجية الروسية ليس التمسك بالرئيس الحريري “فالمسألة لا تتعدى كونه الرئيس المكلف، ومن القوى التقليدية، ونادراً ما تفتح روسيا الباب على القوى الثورية. أضف إلى ذلك أن الحريري يحظى برضى أوروبي ولديه علاقات جيدة مع روسيا والأهم أنه يحظى برضى حزب الله وهي في غنى عن الدخول في اللعبة الداخلية”، لكن الأهم والأبرز كان الكلام عن السلام الشامل “وهذا جديد في الأدبيات ويعني أن إسرائيل ليست مغيبة عن لعبة المحاور وأي اتفاق مع إيران لن يكون على حساب الإتفاقات التي وقعتها روسيا بدءا من اتفاق الإطار مع الأميركيين في الشأن السوري واتفاقاتها الأخرى مع تركيا وإسرائيل ودول عربية والخليج واليوم في المشرق العربي”.
وعلى رغم التمايز الحاصل بين روسيا وإيران في الفترة الأخيرة إلا أنه لم ولن يصل إلى حد التصادم بحسب نادر، أضف إلى ذلك أن روسيا هي البلد الوحيد الذي لم ولن يغلق في وجه إيران. هذا عدا عن أن الإيراني لن يقدم على أية خطوة قبل الإنتخابات الإيرانية في حزيران المقبل، “وأرجح أن لا حكومة في لبنان قبل هذا الموعد”.
القطبة الأهم ستترجم من خلال عبارة “سلام شامل” وقد تتظهر نتائجها في الأشهر المقبلة لكن الثمن الذي سيدفعه لبنان سيكون مكلفا “لأنها تشمل لبنان وسوريا . فلا سلام في ظل المدافع والصواريخ وهذا يعني أن الثمن سيكون بمثابة تسوية وسيدفع لبنان ثمنها لأن مطلق أية دولة لن تمد يدها للمساعدة في ظل حكومة يكون حزب الله ممثلا فيها” ويختم نادر:” إلى حينه لبنان لن يبقى على ما هو عليه، إنما نسخة عن سوريا اليوم، أي مناطق مقسّمة سياسيا وإقتصاديا وحتى أمنياً”.