Site icon IMLebanon

الأوروبيون: لا مبرر لتعطيل جهود تشكيل الحكومة

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:

يبدي سفراء الدول العربية والأجنبية قلقهم الشديد حيال الانفجار الاجتماعي الزاحف على لبنان لما يترتّب عليه من تداعيات يمكن أن تهدد الكيان اللبناني من دون أن تتحرك الطبقة السياسية، وعلى رأسها المنظومة الحاكمة التي تتصرف وكأن البلد بألف خير مع أنه يقف على طرف الانهيار بدلاً من أن تبادر إلى وقفه بالإفراج عن تشكيل حكومة مهمة، لعلها تتمكن من انتشاله من قعر الهاوية، خصوصاً أن لا مجال لرهان هذا الطرف أو ذاك على كسب الوقت فيما يقترب بلدهم من الزوال.

ويؤكد هؤلاء السفراء المعتمدون لدى لبنان – بحسب مصادر أوروبية – أنهم لا يرون من مبرر لتعطيل الجهود الرامية إلى تشكيل حكومة جديدة يمكن أن تتيح للبلد أن يلتقط أنفاسه قبل أن يدخل في غيبوبة قاتلة تفتح الباب أمام إقحامه في خيارات يصعب السيطرة عليها، بعد أن يفقد اللبنانيون الأمل في إنقاذه على الأقل لتوفير لقمة العيش في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار مع تدهور سعر الليرة اللبنانية الذي يتفلّت من الضوابط فيما يستمر سعر صرف الدولار في التحليق عالياً.

وترى المصادر الدبلوماسية لـ«الشرق الأوسط» أن الانهيار الزاحف على البلد بات يحاصر المنظومة الحاكمة والطبقة السياسية ولن يكون هناك من رابح وخاسر، فالجميع سيدفعون أثماناً سياسية، وتسأل هل يعقل أن يبقى البلد بلا حكومة في ظل غياب حكومة تصريف الأعمال عن السمع واستحالة تعويمها سياسيا؟

وتلفت إلى أن القرارات التي صدرت أخيراً عن الاجتماع الذي رعاه رئيس الجمهورية ميشال عون وأراد منه السيطرة على سعر صرف الدولار لم يحقق الأهداف المرجوّة منه، وجاء ارتفاعه الجنوني ليؤكد أن الإجراءات التي اتخذها كانت أشبه بقنبلة صوتية أحدثت دويّاً في الهواء الطلق من دون أن تُسهم في ضبط الأسواق المالية التي أطاحت بالقدرة الشرائية للعملة الوطنية.

وتغمز المصادر نفسها من قناة الفريق السياسي المحسوب على عون الذي يفترض فيه أن يبدي له النصائح بدلاً من أن يدفعه للاستمرار في مكابرته وعناده، خصوصاً أنه لم يعد له من حليف إلا «حزب الله» بعد أن اشتبك مع القوى السياسية الأخرى التي انقطعت عن التواصل معه بالتلازم مع اقتصار نشاطه السياسي اليومي على استقبال المنتمين إلى «أهل بيته».

وتؤكد أن معظم السفراء لا يرون من مبرر للقاء عون إلا في حال استدعائهم من قبل الدوائر المعنية في القصر الجمهوري، وتعزو السبب إلى أن مواقفه باتت معروفة وتدور حول إصراره على استرداد حقوق المسيحيين والصلاحيات المنوطة برئيس الجمهورية وحقه في اختيار الوزراء المسيحيين من دون أن يغيب عن باله تحميل الآخرين مسؤولية الانهيار الاقتصادي نتيجة التراكمات الموروثة منذ أكثر من ثلاثين عاماً.

وفي هذا السياق، تسأل المصادر عما فعله عون شخصياً لإعادة ترميم علاقات لبنان بعدد من الدول العربية والمجتمع الدولي، خصوصا أن معظم هؤلاء أحجموا عن مساعدته بعد أن أطاح من خلال رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل أثناء تولّيه وزارة الخارجية بسياسة النأي بالنفس وانحاز كلياً إلى محور الممانعة بقيادة إيران لاسترضاء «حزب الله» الذي اتخذ من لبنان منصة لاستهداف عدد من الدول العربية.

كما تسأل عون عن الأسباب التي دفعته للالتفاف على مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري بدلاً من التعاطي معها بإيجابية، باعتبار أنها الممر الإلزامي لإخراج أزمة تشكيل الحكومة من الحصار الذي يطوّقها، وهذا ما كشفه مصدر مقرّب من الأوساط المعنية بعملية التأليف بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن عون أبلغ «حزب الله» عدم موافقته على هذه المبادرة وإنه لا حل أمام الرئيس المكلف سعد الحريري إلا بالتوجّه إلى بعبدا للقائه للبحث في الملف الحكومي.

ويؤكد المصدر أن عون وباسيل يصرّان على رفضهما للثلث الضامن «المعطّل» في الحكومة، وهما يلتقيان مع مواقف الحريري وبري و«حزب الله» ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط على الأقل إعلامياً، لكنهما لا يسألان لماذا كل هؤلاء يرفضون هذا الثلث لو لم تتوافر لديهم معلومات بأنهما يصران على الحصول عليه، وإلا لماذا لم يبادر عون إلى نفي ما نُسب إليه أخيراً في هذا الخصوص؟

ويجزم أيضاً أن باسيل يتولى شخصياً الإشراف على ملف تشكيل الحكومة، ويقول إن جميع البيانات التي تصدر عن بعبدا بما فيها التوضيحات تحمل توقيعه السياسي، وإلا لماذا يحصر «حزب الله» مفاوضاته بباسيل؟ رغم أنه ينأى بنفسه عن مشاركة تياره السياسي في الحكومة.

ويقول المصدر نفسه إن التيار السياسي المحسوب على عون – باسيل أخطأ في قراءته لموقف الحريري من مبادرة بري التي تقوم على تشكيل حكومة من 18 وزيراً، كما أخطأ في تعاطيه مع مبادرة البطريرك الماروني بشارة الراعي لإعادة التواصل بين عون والحريري، ويؤكد أن لا مجال للعب على تفاهم الأخير مع رئيس المجلس الذي يحاول إيجاد تسوية للخلاف حول وزارة الداخلية.

ويلفت إلى أن تشكيل الحكومة من 18 وزيراً يبقى وحده مطروحاً على طاولة المفاوضات، وأن هذا الخيار يحظى بتأييد بري وجنبلاط الذي سحب موافقته على رفع عدد الوزراء إلى 20 وزيراً، مبدياً تفهّمه لموقف الرئيس المكلف الذي يتعامل مع زيادة العدد على أنه محاولة لفرض الثلث الضامن الذي يؤدي إلى تعطيل الحكومة من الداخل.

وعليه، فإن رفض عون – باسيل لمبادرة بري ستؤدي إلى حشره في الزاوية بعد أن أخفق البعض في رهانه على رفض الحريري لها، ويبقى الترقُّب لما سيعود به وفد «حزب الله» من موسكو، وهل سيبادر للضغط على عون؟ أم أنه كعادته سيراعيه؟ خصوصا أنه أحيط علماً بالموقف الروسي الذي يصب في دعم المبادرة الفرنسية.