IMLebanon

“هدير انفجار” الشارع يلفّ لبنان من أقصاه إلى أقصاه

 

هل هي الهَزّاتُ التمهيديةُ لـ «الزلزال الكبير» الذي سيولَد على أنقاضه حلٌّ تَسْووي للأزمة الأخطبوطية التي تقبض على بيروت، أم أنها من عُدَّة مسارٍ متعمَّد لإبقاء «بلاد الأرز» في وضعية «الاحتراق البطيء» الذي يُراد أن «يأكل» تباعاً كل مرتكزات «لبنان الذي كان»، نظاماً ودوراً و وَجْها، ليَخرج من تحت «رماده» ما يبدو حتى الساعة… لبنان مجهول بقية الهوية؟

سؤالٌ كبيرٌ شقّ طريقَه من قلب سحب الدخان التي تَصاعَدَتْ في مناطق عدة هبّتْ في موجة احتجاجية جديدة على وهج دخول الدولار مرحلة التحليق بلا سقوفٍ بعدما تجاوز أمس 15 ألف ليرة في السوق الموازية، أي عشرة أضعاف السعر الرسمي (1500 ليرة) وبزيادة نحو 50 في المئة في أربعة أيام، ما حوّل البلادَ «علبة ذعرٍ» من الآتي الأعظم.

ورغم أن «السيناريو الأسوأ» كان معروفاً ومُتداوَلاً منذ فترة في الداخل والخارج، إلا أن كثيرين لم يصدّقوا المشهدَ المُخيف الذي ارتسم في طول البلاد وعرْضها، مع أسواقٍ مقفرة ومحال مقفلة وناس يرتعدون بعدما وَجَدوا أنفسهم في مُفاضَلةٍ قاتلة بين «الجوع والمجاعة» يواجهون نقصاً في مواد أساسية من سلع غذائية ودواء ومحروقاتٍ صارت «حبيسةً» بـ… «أغلال الدولار».

وحدها السلطة والمعنيون بتأليف الحكومة بدوا وكأنهم «على تلّة» يَمضون بسياساتٍ عبثية فيما البلاد تحتهم باتت أشبه بـ «محرقة كبيرة» لم يعد يهمّ إذا كانت من ضمن لعبة «عضّ الأصابع» الداخلية على تخوم مأزق التأليف وتعقيداته أو نتيجة إمعانٍ في استرهان لبنان للصراع الاقليمي «حتى آخر رمق» قبل استيلاد «جمهوريةٍ ثالثة» بموازين المرحلة الجديدة في المنطقة.

فالحقيقة المُرّة أن البلاد التي كانت يوماً «دُرّة الشرق» باتت محكومة بـ «إلى الخراب الشامل دُر»، بعدما وجدت نفسها تتدحرج في حفرةٍ كانت أمس بعمقِ 15 ألف ليرة للدولار الواحد وتُنْذِر بأن تتعمّق مع كل «تحليق» إضافي مرتقب في سعر العملة الخضراء… أما قُطرها فهو بحجم الطريق الفاصلة عن اتضاح وُجهة الصراع حول النووي الإيراني والأزمات المُلْحَقة.

ومع كل يومٍ يضاف إلى عمر الأزمة الحكومية (أكثر من 7 أشهر)، يزداد طغيان «هدير الانفجار الوشيك» الذي تشكّل هستيريا الارتفاع التصاعدي في سعر الدولار صاعقه الرئيسي، وسط اعتبار كثيرين أن القفز فوق عتبة الـ 15 ألف ليرة سيفتح الباب أمام سقوطٍ بلا قعر للعملة اللبنانية، وهو ما عزّز الخشيةَ منه كلام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب عن أنه «لا يمكن الاستمرار بدعم المحروقات بعد شهر مارس وأن من الممكن المضي بدعم بعض السلع الأساسية لغاية يونيو».

وفي حين لاقى وزير المال غازي وزني هذا الاتجاه مؤكداً اعتزام السلطات اللبنانية «خفض دعم المواد الغذائية ورفع أسعار البنزين تدريجاً»، وموضحاً أن دعم المحروقات سيتقلص في الأسابيع المقبلة من 90 في المئة كما هو في الوقت الحالي إلى 85 في المئة، جاء المخرج الوسطي لـ «شبح العتمة» الكاملة التي لوّح بها وزير الطاقة ريمون غجر ابتداء من مطلع ابريل وذلك على قاعدة إقرار اللجان المشتركة أمس الموافقة على منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة بمئتي مليون دولار لشراء الفيول (عوض مليار دولار طالبت بها) ليطرح علامات استفهام حول تكلفته على بقايا احتياطي مصرف لبنان القابلة للاستخدام وهي 1.5 مليار دولار بحسب وزني «وهو ما يكفي لمدة شهرين إلى 3 أشهر».

وشكّلت «الحال المُرعبة» التي سادت لبنان أمس عيّنة مما يكْمن للبلاد في الأيام المقبلة حيث تتعاظم الخشية من فوضى أمنية، «منظّمة» أو بفعل الغليان الشعبي الذي يغذيه «تسونامي» الغلاء، وهو ما عبّرت عنه وثيقة أمنية جرى تداولها وتحدثت عن توافُر معلومات عن التحضير لتصعيد كبير في الشارع «من الممكن أن يتطور إلى حصول ظهور مسلّح وتوجه لمنازل السياسيين، وأن الأمور ذاهبة نحو فوضى وتخريب واستخدام السلاح في الشارع وأعمال نهب وسرقة وتصفية حسابات بحجة ارتفاع سعر الدولار والغلاء تنفيذاً لأجندات سياسية».

وإذ تحدثت تقارير عن دعوة سفارات لرعاياها لتوخي الحذر في تنقلاتهم في الأيام المقبلة، شهد لبنان منذ أن سجّل الدولار قبل ظهر أمس رقم 15 ألف ليرة موجة واسعة من قطع الطرق بدءاً من بيروت (بما في ذلك الضاحية الجنوبية) مروراً بالجبل والشمال وصولاً الى البقاع والجنوب، في ظل مؤشرات تصعيدٍ وتحضيرات لتحرك اليوم في اتجاه القصر الجمهوري تحت عنوان «يوم الغضب».

وترافقت احتجاجات الشارع مع نداءات استغاثة أطلقتْها غالبية القطاعات التي ترزح تحت وطأة فلتان سعر الدولار و وثْباته التي لا قدرة على تحمُّلها، لا من المواطنين الذين تآكلتْ في شكل مخيف القيمة الشرائية لرواتب مَن بقي بينهم يعمل مقابل ارتفاع جنوني بالأسعار، ولا التجار الذين أقفلوا غالبيتهم محالها معلنين أنهم باتوا بين مطرقة مغادرة السوق أو التسعير بالدولار.

وفي حين كانت بورصة أسعار السلع يختصرها بلوغ تكلفة شراء كيلو صنوبر بلدي مليون ليرة أي ما يوازي مرةً ونصف الحد الأدنى للأجور وكيس الأرز (حبة طويلة زنة 5 كيلوغرامات) 166 ألف ليرة لبنانية، وسط التداول بظواهر غير مألوفة لسرقة سلع من سوبرماركت وتكرار تحطيم بعضها، علا صوت نقيب أصحاب السوبرماكت نبيل فهد محذراً من أن «الوضع خطير جداً ووصلنا الى الحضيض والأمن الغذائي مهدّد»، متحدثاً عن مواد مفقودة «ابرزها الزيت والسكر والحليب» التي لا يسلّمها الموردون بفعل الارتفاع المتسارع بسعر الدولار، مؤكداً «هناك تحول تدريجي نحو الدولرة اي الشركات ترفض البيع بالليرة انما بالدولار».

وفيما كانت المستشفيات الخاصة ترفع شعار «إما رفْع تعرفة الاستشفاء لتكون أقله على سعر المنصة الرسمي (3900 ليرة)، وإما إقفال غالبية المستشفيات، والتي ستستمر ستكون حكراً على الأغنياء»، اكتمل نصاب تعطيل الدولار الطائر كل مفاصل الدورة الاقتصادية، المثقلة أساساً بالأزمة المالية و«كورونا»، بأزمة المحروقات التي انقطعت في مناطق واسعة حيث رفعت غالبية المحطات خراطيمها.

ولم يكن عابراً في موازاة ذلك كشف هيئة الجمارك العراقية أن كوادرها «قامت بتسهيل مرور 10 صهاريج محملة بمادة البنزين قادمة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية كمساعدات للبنان عبر معبر القائم الحدودي»، وهو ما طرح أسئلة حول تداعيات هذا الأمر على لبنان الرسمي الذي يحاول تلمُّس طريق شائكٍ للحصول على دعمٍ مالي من المجتمع الدولي يبدأ بتحييد نفسه عن أزمات المنطقة وتشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين لا يكون فيها ثلث معطّل لأي فريق.