كتب عيسى يحيى في صحيفة نداء الوطن:
إختلف المشهد في بعلبك ـ الهرمل عن غيره من الأيام السابقة، وتوسّعت رقعة الإحتجاجات لتطال طرقات وأماكن كانت بعيدة عن التحركات التي تحصل بشكل خجول، حيث إفترش البعض الساحات بأجسادهم، ورفعوا الصوت بوجه الأحداث الجارية والمصير المجهول الذي يسابق يومياتهم.
انفجر غضب الناس على طرقات بعلبك ـ الهرمل بعد الإرتفاع غير المسبوق في سعر صرف الدولار، وتقطّعت أوصال القرى والبلدات البقاعية من الهرمل حتى رياق، حيث أقفلت معظم المحال التجارية وامتنعت عن البيع لعدم ثبات الأسعار بالتزامن مع تأرجح الدولار، فيما أبقت بعض المحال الأخرى أبوابها مفتوحة لتسيير أمور المواطنين، ورفعت أسعار المواد الغذائية على اختلافها. أما محطات الوقود فقد رفعت خراطيمها بحجة نفاد المواد في وقت لا يزال الطقس يميل إلى البرودة والناس تحتاج إلى مادة المازوت لتمضية ما تبقى من فصل الشتاء.
بداية التحركات كانت من مدينة الهرمل حيث أقدم محتجّون على قطع الطريق أمام سراي الهرمل بالإطارات المشتعلة إحتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية، فيما عمد آخرون إلى قطع الطريق على جسر العاصي عند مدخل المدينة والذي يربطها بمدينة بيروت وسائر قرى وبلدات المحافظة ليعاد فتحه في فترة بعض الظهر. وعلى الطريق الدولية أقدم عدد من الشبان على قطع الطريق الرئيسية عند مفرق بلدة شعت، وعند مفرق بلدة مقنة بالسواتر الترابية.
وفي بعلبك قطع محتجّون الطريق في محلة ساحة ناصر وسط السوق التجاري، وافترشوا الأرض بأجسادهم إعتراضاً على ما وصلت إليه حال المواطنين الذين باتوا عاجزين عن تأمين مستلزمات حياتهم، “فربطة الخبز بيعت أمس بسعر ثلاثة آلاف ليرة وماذا ننتظر بعد”؟ يقول أحد المحتجين لـ”نداء الوطن”، ويضيف أن وضعه أفضل من غيره ولا يزال يستطيع تأمين متطلّبات عائلته بالرغم من وصول جنون الأسعار فكرتونة البطاطا سجّلت سعر 95 ألف ليرة، أما السكر والرز والزيت النباتي فقد حلقت أسعارها، ولكن الأوضاع وشعوره بالناس دفعه إلى النزول وقطع الطريق، مؤكداً أن الطريق ستبقى مقطوعة حتى إشعار آخر، ومتسائلاً عن أبناء المدينة الذين لا يخرجون إلى الطرقات.
إقفال الطرقات وإعلاء الصرخة إنسحب على أصحاب الفانات وسيارات الأجرة حيث نفذ عدد منهم إعتصاماً على دوار دورس وقطعوا الطريق بالقرب من محطة الجبلي، فيما أقفلت الطريق الدولية بالكامل على الخطين أمام مستشفى دار الأمل الجامعي لأكثر من ثلاث ساعات ليعاد فتحها في فترة ما بعد الظهر.
ضيق الوضع الإقتصادي وتردّي أحوال الناس الذين لا يملكون ثمن ربطة الخبز ويعملون بـ”الفاعل” ويكسبون قوت يومهم إذا عملوا، اشار إليه أحمد سائق التاكسي الثلاثيني، مؤكداً لـ”نداء الوطن” أنّ “الناس اليوم تئنّ تحت ضربات الجوع الذي بات ينخر العظم من دون أن يرفّ جفن للمسؤولين الذي يتنعّمون بالخيرات”، متسائلاً عن دور نواب بعلبك ـ الهرمل ووقوفهم إلى جانب أهلهم الذين انتخبوهم، مضيفاً أنه أصبح يحسب حساب علبة السجائر وكيف يؤمن ثمنها، وخصوصاً في ظلّ حركة العمل التي أصبحت شبه معدومة، “ففي حين كنا نؤمّن 40 ألف ليرة يومياً، اليوم لا نكاد نحصل على 20 ألفاً التي لا تساوي دولاراً ونصف، كذلك نواجه صعوبة في تأمين المازوت والبنزين للسيارات بسبب فقدانه من المحطات ما يدفعنا أحياناً للتوقف عن العمل”.
وعلى خط مواز للتحركات، وجّه ثوار بعلبك ـ الهرمل دعوة لتنظيم وقفة إحتجاجية ومسيرة في سوق بعلبك اليوم تنطلق من ساحة المطران، لرفع الصوت بوجه إنهيار الليرة والجوع والذلّ الذي يضرب على الأبواب حيث اصبح رغيف الخبز وحليب الأطفال صعبي المنال.