كتبت جريدة الأخبار:
الرئيسان المعنيان، دستورياً، بتأليف الحكومة، تبادلا الدعوة إلى الاستقالة. وفي انتظار نتائج زيارة يُحتمل أن يقوم بها الرئيس سعد الحريري إلى قصر بعبدا، تبيّن أن حركتهما الأخيرة تعكس صورة الضغوط التي يتعرضان لها، لكي ينجزا تأليف حكومة جديدة.
دخلَت البلاد طوراً خطيراً من الانهيار الذي يضرِب اقتصادها ومعيشة سكانها، بتدهور سعر صرف الليرة ونقص المواد الغذائية والأدوية والمحروقات، مقابِل فشل السلطة في حماية المؤسسات، والشارع من الفوضى غير المقيّدة بحدود. وأمام هذا المشهد، يُترك اللبنانيون لمصيرهم، بفعل تخلّي القوى السياسية عن مسؤوليتها في معالجة الأزمة، واستمرار الخلافات حيال تأليف الحكومة، إذ أحبطَت كل المساعي والمبادرات السابقة لحلّ العقد وتذليل العقبات أمام ولادتها، بعدما تغلّبت حالة الإنكار عند أطراف الصراع لواقع الأزمة وعمقها، تضاف إليها حالة الإصرار على تمسّك كل منها بشروطه وسقوفه العالية.
وفيما استمرّت الاحتجاجات في الشارع الذي شهد عمليات قطْع طرق في أكثر من منطقة، خرقَت المشهد السياسي كلمة مسائية لرئيس الجمهورية ميشال عون وضعَ فيها رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري أمام خيارين، إما تأليف الحكومة بشكل «فوري» أو التنحّي عن المهمة التي كُلّف بها في تشرين الأول الماضي، وحالت التجاذبات السياسية دون إتمامها. عون دعا في كلمة متلفزة الحريري «إلى قصر بعبدا من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معي». وأضاف «في حال وجد نفسه في عجز عن التأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني تتصدى للأوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد، فعليه أن يفسح في المجال أمام كل قادر على التأليف».
لم يكُن عابراً، في رأي أوساط مُتابعة، النمَط الجديد في التخاطب، الذي عبّر عنه عون في اللجوء إلى الرسائِل العلنية لاستدعاء الحريري إلى القصر، بدلاً من اعتماد «الأصول البروتوكولية»، إما «عبر اتصال من القصر، أو أحد الوسطاء». وهذا معناه، بحسب الأوساط، أن عون «أراد أن يكون الاشتباك مع الحريري ظاهراً أمام الرأي العام، لتحميله مسؤولية التعطيل وإظهاره بمظهر العاجز عن التشكيل أو المتعمّد للعرقلة».
في هذا الإطار، علمت «الأخبار» أن عون كانَ ينوي إرسال رسالة إلى مجلس النواب «يسأله فيها عن رأيه في ما يقوم به الحريري، على اعتبار أن الكتل النيابية هي من كلّفته، ولاتخاذ الموقف المناسب حيال ما يفعله الرئيس المكلف»، إلا أنه عادَ عن هذه الخطوة وذهب إلى توجيه كلمة متلفزة.
بالطريقة العلنية نفسها أتى الجواب من «بيت الوسط»، على دعوة عون؛ إذ صدر عن الحريري بيان قال فيه «بعد أسابيع عديدة على تقديمي تشكيلة متكاملة لحكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لوقف الانهيار والشروع بإعادة إعمار ما دمّره انفجار المرفأ في بيروت، منتظراً اتصالًا هاتفياً من فخامة الرئيس ليناقشني في التشكيلة المقترحة لإصدار مراسيم الحكومة الجديدة، وهي أسابيع زادت من معاناة اللبنانيين التي كانت قد بدأت قبل اختياري من قبل النواب لتشكيل الحكومة بأشهر طويلة، تفاجأت، كما تفاجأ اللبنانيون جميعاً، بفخامة الرئيس وهو يدعوني عبر كلمة متلفزة إلى القصر الجمهوري، من أجل التأليف الفوري بالاتفاق معه وفق الآلية والمعايير الدستورية المعتمدة، كما قال فخامته».
وأضاف الحريري «بما أنني قد زرت فخامة الرئيس 16 مرة منذ تكليفي بنفس الهدف الذي وضعه فخامته، للاتفاق على حكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها ووقف الانهيار الذي يعاني منه اللبنانيون، فإني أجيبه بالطريقة نفسها أنني سأتشرف بزيارته للمرة السابعة عشرة فوراً إذا سمح جدول مواعيده بذلك، لمناقشته في التشكيلة الموجودة بين يديه منذ أسابيع عديدة، والوصول الفوري إلى إعلان تشكيل الحكومة».
وأضاف البيان: «في حال وجد فخامة الرئيس نفسه في عجز عن توقيع مراسيم تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، لوقف الانهيار، فسيكون على فخامته أن يُصارح اللبنانيين بالسبب الحقيقي الذي يدفعه لمحاولة تعطيل إرادة المجلس النيابي الذي اختار الرئيس المكلف، والذي يمنعه منذ شهور طويلة عن إفساح مجال الخلاص أمام المواطنين، وأن يختصر آلامهم ومعاناتهم عبر إتاحة المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة، وهي الوسيلة الدستورية الوحيدة القادرة على إلغاء مفاعيل اختياره من قبل النواب لرئاسة الجمهورية قبل خمسة أعوام، تماماً كما اختاروني رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة قبل خمسة أشهر».
بهذا البيان، ردّ الحريري وبلغة الاتهام ذاتها، محاولاً إظهار رئيس الجمهورية بأنه هو من يتحمّل وزر التعطيل والانهيار.
بيان الحريري تبعه بيان دعم من أحد أعضاء نادي رؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي الذي «أسف لطريقة التخاطب التي توجه بها عون إلى الرئيس المكلف»، بينما كرر النائب نهاد المشنوق، في تصريح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معادلة «اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مقابل استقالة رئيس الجمهورية ميشال عون».
ليلة الرسائل العلنية زادت الأمور سوءاً. هكذا قرأتها مصادر سياسية بارزة، اعتبرت أن عون «توجه مباشرة الى الحريري، لكنه أيضاً حاول إحراج من يتمسّك به رئيساً مكلفاً». لكن «علينا أن ننتظر لمعرفة إذا ما كان اللقاء بينَ الرئيسين في الأيام المقبلة سيؤدي إلى حلحلة ما. فربما يقود التشاور إلى تذليل بعض العقبات بدلاً من البقاء في النقطة الصفر»، بينما جرى التداول بمعلومات عن «زيارة سيقوم بها الحريري إلى بعبدا قبل ظهر اليوم»، من دون أن تتبلغ دوائر القصر الجمهوري بموعده. ولفتت مصادر معنية إلى أن حركة الرئيسين هي انعكاس لضغوط كبيرة تُمارس عليهما لتأليف الحكومة، لا من الشارع، بل من القوى الخارجية الراعية لمسألة التأليف، تحديداً فرنسا وروسيا اللتين بعثتا برسائل إلى عون والحريري بضرورة الإسراع في التأليف، لأن أحوال البلاد لا تحتمل.