كتب ميشال أبو نجم في صحيفة الشرق الأوسط:
لأن الوضع في لبنان ينهار بشكل متسارع مالياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً ولأن المخاوف من انفلاته كبيرة ولأن جزرة الإغراء الفرنسية للطبقة السياسية اللبنانية لم تكن جذابة ولا الهراوة رادعة من أجل دفعها لقبول تشكيل حكومة جديدة، فإن باريس تحاول التأثير على الأحداث في لبنان بشكل مختلف، مستعينة بالأوروبيين، ولكن خصوصاً بالطرف الأميركي وتعتبر أن حظوظها أكبر مع إدارة الرئيس جو بايدن، مما كانت عليه مع دونالد ترمب الذي تتهمه صراحة بأنه أجهض مبادرة الرئيس ماكرون من خلال العقوبات التي فرضها على سياسيين لبنانيين إما بتهمة دعم «حزب الله» أو الفساد.
هذا ما يفهم من التصريحات التي جاءت أمس على لسان مصدر دبلوماسي فرنسي لوّح بعصا العقوبات التي كان قد أشار إليها ماكرون إبان زيارته الأولى إلى لبنان في 6 أغسطس (آب) الماضي، ثم غابت لاحقاً عن القاموس السياسي الفرنسي. وبحسب المصدر المشار إليه، فإن «الأسابيع المقبلة» سوف تشهد زيادة قوية للضغوط على الطبقة السياسية اللبنانية التي يمكن أن تتم من خلال «العقوبات». بيد أن المصدر الفرنسي سارع إلى القول إن باريس «لن تقوم بذلك وحدها بل ستعمل مع شركائها الأوروبيين وأيضاً الأميركيين». وبرأيه، فإن العمل بالتشارك مع الطرف الأميركي «سيكون أكثر سلاسة مع إدارة بايدن» بعكس ما كان عليه إبان ولاية ترمب الذي كان يتعاطى مع لبنان «من خلال المنظور الإيراني».
وتجدر الإشارة إلى أن الملف اللبناني، وفق المصادر الفرنسية، دائم الحضور في التواصل بين باريس وواشنطن وقد حرص الجانب الفرنسي على الإشارة إليه في أول اتصال جرى بين ماكرون وبايدن. كذلك دأبت باريس على التنبيه من الانهيار الكبير للبنان وآخر ما حصل جاء على لسان وزير الخارجية جان إيف لو دريان الذي قرّع مجدداً الطبقة السياسية اللبنانية واتهمها بعدم مد يد المساعدة للبنان. ولكن بعد زيارتين إلى لبنان في أغسطس وسبتمبر (أيلول)، لم ينجح ماكرون في زحزحة السياسيين اللبنانيين ودفعهم للسير في خطته الإنقاذية التي عنوانها حكومة اختصاص وإصلاحات وإعادة إعمار ما هدمه انفجار المرفأ. ورغم حصوله على موافقة مسؤولي الأحزاب الرئيسية الثمانية الذين جمعهم في قصر الصنوبر على خطته، فإن بعضهم انقلب عليها سريعاً. ومنذ أشهر، تراوح مبادرته مكانها ولم تفلح التحذيرات والاتصالات في دفعها إلى الأمام بسبب الشروط الداخلية المتبادلة بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية وربط التوصل إلى حل باعتبارات إقليمية وخارجية أبرزها عملية لي الذراع بين واشنطن وطهران بشأن ملف إيران النووي وتطوراته.
وبالنظر لهذه المعطيات، ترى باريس أن «مسألة العقوبات جاء وقت فرضها» على المسؤولين اللبنانيين الذين يعيقون أي تطور سياسي في إشارة إلى تشكيل الحكومة المنتظرة. وبنظر المصدر المشار إليه، فإن فرض العقوبات «لم يكن الأولوية في شهري أغسطس وسبتمبر ولكن بعد مرور سبعة أشهر، فإن المسألة «العقوبات» تطرح وهذا أمر مشروع، بالتالي فقد حان زمن اللجوء إليها.
حتى اليوم، حرصت باريس على المحافظة على خط مفتوح لبنانياً مع «حزب الله» وإقليمياً مع إيران وقد اعتبرت سابقاً أن العقوبات جاءت بنتائج عكسية انطلاقاً من قناعتها أنه بالإمكان اجتذاب الحزب وإقناعه بالسير بخطتها الإنقاذية بعد أن تجاوب ماكرون مع طلبه إخراج ملف الانتخابات النيابية المسبقة من سلة المقترحات الفرنسية. ولكن إزاء الانهيار الحاصل على كل الصعد في لبنان، أخذت باريس ترى أن «آخر الدواء الكي». ولكن هذا التهديد ليس له قيمة حقيقية، إن نظر إليه على أنه لا يتخطى مرحلة التهديد وأن لا شيء سيتبعه.
فضلاً عن ذلك، يرى مصدر دبلوماسي عربي أنه يتعين النظر لمعرفة ما إذا كانت إدارة بايدن أخذت تفصل ما يحصل في الملف اللبناني عن سياق العلاقة الأوسع مع إيران وعن مستجدات الأزمة النووية، إذ حتى اليوم ليست هناك مؤشرات واضحة تدل على ذلك.