كتب عمر الصلح في “الجمهورية”:
المتابع بتمعّن للدور الروسي في سوريا يلحظ عدم وجود أي انعكاسات له على الوضع اللبناني بأي شكل من الاشكال، وهذا مبنيّ على اعتبارات عدة، أهمها: انّ إدارة الكرملين على اقتناع تام بأن دمشق تشكل مدخلا أساسيا الى مسرح السياسة في بلاد الأرز. وبالتالي، فإنّ التحكم بمفاصل الواقع السوري وأبعاده كافة يتيح لموسكو الدخول الى الساحة اللبنانية من بوابتها السياسية العريضة، خصوصاً انّ هذا النهج يضمن لها ايضا عدم الدخول في لعبة التوازنات السياسية والطائفية، كما ويساهم بعدم تسجيل موقف لمصلحة اي طرف على حساب آخر. زِد على ذلك، فإنّ هذا المبدأ في التعاطي لا يشكل حساسية لدى العواصم الفاعلة عربيا واقليميا ودوليا، وخير دليل على ذلك مروحة اللقاءات الواسعة التي تعقدها الخارجية الروسية مع قيادات المكونات السياسية على اختلاف مشاربها بلا استثناء، وهو ما يكرّس مبدأ الوقوف على مسافة واحدة من جميع اللاعبين السياسيين داخلياً، ويسمح للديبلوماسية الروسية بتفعيل دورها عند توافر الظروف الملائمة للدخول على خط تسهيل حل عقد الازمات اللبنانية التي لا تنتهي.
هذا الموقف الروسي الثابت تجاه لبنان لم يردع طبّاخي السياسة فيه عن محاولة إقحام موسكو للعب دور في إيجاد مخرج لمعضلة تشكيل الحكومة من خلال حراك سياسي مُرفق بهمروجات إعلامية هدفها التسويق على حصول دعم موسكو لتعزيز مواقفها في عملية ترتيب البيت الوزاري، لكنّ المعنيين بملفات الشرق الاوسط في الخارجية الروسية يدركون انّ كل هذه المحاولات تأتي في استراحة الوقت الضائع ولا يمكن ان يبنى عليها لاحقاً في السياسات الاستراتيجية لدولة عظمى بحجم روسيا، خصوصاً انّ الكرملين على يقين في أنّ دخوله على خط الوساطات والمبادرات حالياً في لبنان قد يفتح أبواب المواجهة السياسية مع الاتحاد الأوروبي الداعم للمبادرة الفرنسية، كما انّ عدم وضوح الموقف الأميركي في الملف اللبناني منذ وصول جو بايدن الى كرسي الرئاسة هو مؤقت وناتج من ترتيب الأولويات وتحديد أهداف الادارة الجديدة للبيت الابيض.
مصادر روسية متابعة لمضمون الاتصالات واللقاءات التي يجريها المعنيون بملفات الشرق الأوسط في موسكو مع اطراف سياسية لبنانية متنوعة، تؤكد انّ موقف الخارجية يتمثل في حَض أطراف النزاع على التواصل المباشر للتوافق حول ملفات الداخل من دون الاستقواء بالخارج، وان تكون التسوية ضمن أطر دستورية تحفظ حق جميع المكونات الاجتماعية والسياسية بلا استثناء. وترى المصادر انّ موسكو ليست في وارد طرح اي مبادرة تجاه لبنان في هذا التوقيت، لكنها لا تستبعد توسيع حركة اتصالاتها مع الأطراف المعنية لتكوين مساحة مشتركة يُبنى عليها لوضع أسس متينة لتوافق داخلي يتيح للبنان مواجهة التحديات التي تعصف به منذ تشرين الأول 2019.
وتؤكد المصادر ان ما يروّج عن مواقف ومطالب روسية محددة سمعها وفد «حزب الله» في موسكو تجاه دوره لاحقاً في سوريا غير دقيق، اما ما يتعلق بلبنان فإنّ مضمون اللقاءات مع ممثلي الحزب تمحور حول رؤية الطرفين لطريقة الحفاظ على التوازن الداخلي وفقاً للآليات الدستورية والعمل على عدم انزلاق الاوضاع الى مستويات خطيرة. وتؤكد المصادر انّ توسيع مروحة الاتصالات التي يجريها المسؤولون الكبار في الخارجية الروسية هدفه حَض المعنيين على المساهمة بفاعلية في مسار تدوير الزوايا بين الأحزاب والتيارات المختلفة لإطلاق حوار صريح وشفاف يضمن عملية ترتيب البيت الداخلي وتحصينه اقتصاديا وسياسيا، خصوصا انّ المؤشرات تدل الى انّ المنطقة عموما قد تشهد تحولات كبرى على اكثر من صعيد خلال المرحلة المقبلة.