كتب وليد شقير في صحيفة نداء الوطن:
ما يهم الناس هو النتيجة. هل هناك حكومة أم لا؟ هنا جوهر المشكلة. فبعد لقاء الخميس بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري لم يصدر ما يشي بأن الأمور نحو الحلحلة. ليس هناك ما يدل إلى أن عون ورئيس الظل جبران باسيل تخليا عن الثلث المعطل عبر مطلب العشرين وزيراً، فيما أكد الحريري على الـ 18 وزيراً. ويوم الإثنين كفيل بتوضيح الصورة، على رغم أن الحريري ترك الباب مفتوحاً. فالتفاؤل بإمكان حصول اختراق إيجابي يصعب التكهن به، مع الفريق الرئاسي الذي لا ينطبق المنطق على أي تكهن لموقفه، حتى لو كان هناك إجماع كوني بأن لا خيار غير تأليف حكومة بالمواصفات التي يطرحها الحريري، لأنها من بديهيات شروط أي مساعدة مالية خارجية للبلد.
ما يزيد الشكوك بنوايا الفريق الرئاسي أن بعض عباقرته يعتبر أن رسالة عون إلى اللبنانيين، التي تقصد فيها استفزاز الحريري وأكثرية اللبنانيين بطريقة مخاطبته ومخاطبتهم، هي أنها “لتحريك الجمود”. لا يرمي هذا البعض إلى الدفع لتأليف الحكومة بقدر ما يعتبر أن اللقاء بين عون والحريري يخفف من وتيرة ارتفاع الدولار في شكل جنوني، ليعود إلى الارتفاع التدريجي البطيء. هدف ما زال في حدود المناورة.
على هامش المسألة الجوهرية المتعلقة بأولوية تأليف الحكومة، التي لا أولوية تتقدم عليها، قدّم عون خدمة مجانية لا تقدر بثمن للحريري، بالجلافة التي اعتمدها في استدعائه، وفي دعوته إلى الاعتذار، فتعاطف الجمهور الواسع مع موقف الرئيس المكلف. وقدم عون للحريري على طبق من فضة سبباً ليرد عليه بالتلويح بالدعوة إلى رحيل رئيس الجمهورية عبر الانتخابات الرئاسية المبكرة. وهو شعار أخذ يُطرح في الشارع الغاضب، وقد تنضم إليه تدريجاً قوى سياسية ومسيحية بالتحديد، حتى لو كان صعب التنفيذ، لأن عون لن يتنازل عن الرئاسة حتى لميشال عون، لكنه يسلط الضوء عليه كمصدر للأزمة، بعد العزلة التي يعاني منها مع صهره.
رد الحريري لقي مع ذلك استحسان الجمهور السني، حتى ذاك الذي كان ينتقد تنازلاته، وكذلك استحسان جزءٍ من الجمهور المسيحي الذي يرى في الفريق الرئاسي سبباً لمآسي البلد والذي تأخذ رقعته في الاتساع. وحتى أوساط حزب “القوات اللبنانية” رأت أن الحريري أحسن في رد الطابة نحو عون بموقف أعلى منه لم تجد فيه ما يناقض طرحها الانتخابات النيابية المبكرة لمخرج من الأزمة. إذ أن الأخير أراد تحميله مسؤولية تأخير الحكومة، فبات هو المسؤول. يستوي في ذلك الجمهور الدرزي وجزء من الجمهور الشيعي. فالجمهور الواسع بات يدرك أن بالإمكان المراهنة على تحركات زعيم “المستقبل” وعلاقاته الخارجية كي يضع البلد على سكة الحلول، على صعوبتها التي تزداد كل يوم تأخير. والجمهور العريض ومعظم أقطاب البلد باتوا مدركين أن الحريري تبلّغ أن لا مساعدات من دون حكومة مستقلين غير حزبيين لا ثلث معطِّلاً فيها لأحد.
من ناقل القول أن الفريق الرئاسي لا يكترث لإعراض الجمهور عنه، فهو يعيش حال الإنكار منذ 17 تشرين 2019. وهذا الفريق استعاض عن فكرة رسالة عون إلى البرلمان، ليطالبه فيها بالعودة عن تكليف أكثريته الحريري بتأليف الحكومة، بالرسالة المتلفزة مساء الأربعاء، بعدما قيل له أن البرلمان لن يتجاوب معه وبالتالي سيوجه صفعة للرئاسة.