كتبت رلى موفّق في “اللواء”:
خطا كل من رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تأليف الحكومة سعد الحريري خطوة إلى الوراء بعد اصطدام سياسي بلغ الذروة بين الطرفين، تمثل بدعوة عون للحريري إعلامياً ومن خارج الأصول الدستورية إلى التنحي جانباً إذا تعذَّر الاتفاق على تأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني، وبمطالبة الحريري لعون في المقابل إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة. هي المرة الأولى التي يرفع فيها الحريري سقف المواجهة مع عون بدعوته إلى الاستقالة إذا عجز عن توقيع مراسيم تشكيل الحكومة التي تقدم بها وتضم اختصاصيين غير حزبيين. تبنى الحريري معادلة «الاعتذار مقابل الاستقالة». فإما «نبقى سوياً أو نخرج سوياً»، ولكن ليس هناك من نص دستوري يلزم الرئيس المكلف على الاعتذار، وإذا كان ذلك هو الهدف الرئيسي لـ «سيد بعبدا»، فعليه الإطاحة به دستورياً عبر الاستقالة من رئاسة الجمهورية.
ولكن بدا واضحا من تصريح الحريري من القصر الجمهوري أن «فرصة ما» ولدت من رحم التصعيد والدخول القوي على خطيّ بعبدا و»بيت الوسط» لمنع مزيد من الانزلاق السياسي، فيما الأرض تهتز تحت أقدام الجميع مالياً واقتصادياً وحياتياً، وبدأت تعبيرات الضيق والغضب تتجلى في الشارع المفتوح على الانفلات، وسط كلام وزير الداخلية أن الامن بات مكشوفاً وتحذيرات الجيش من إمكان انفجاره الوضع وتسريب برقية أمنية لاحتمال استهداف المحتجين منازل السياسيين في ظل التأزم الحاصل وانعدام أي افق للحلحلة.
وعلى افتراض أن الإرادة توافرت لتوافق على الافراج عن الحكومة، ونجحت الضغوط لإخراج التأليف من عنق الزجاجة، فهل يمكن عندها الركون على أن لبنان وُضع على مشار وقف التدهور؟ في الأساس، ثمة معلومات متناقضة حيال تخلي عون مجدداً عن الثلث المعطل، إذ تتحدث عن أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل لا زال يضغط من جهته على عون للتمسك بالثلث المعطل من موقع رفضه لاحتمال أن يصبح القرار مطلقاً بيد الحريري دون أن يكون لفريقه السياسي «حق النقض» في الحكومة إذا ما آلت صلاحيات رئاسة الجمهورية اليها في حال حصول فراغ. وهو قد افاد من رفض الحريري لطلب عون الذي رفعه اللواء عباس ابراهيم بإيلاء فريق الرئيس حقيبة الداخلية مقابل الثلث المعطل، فعادت الأمور إلى نقطة الصفر، وعادت بعبداً للتمسك بطروحاتها السابقة حول حكومة تزيد عن 18 وزيراً وتسمية الوزراء المسيحيين والثلث المعطل.
المطلوب تأخير الارتطام الكبير أو جعله سلساً وهادئاً كي لا يطيح كلياً بالبنيان اللبناني
وإذا سلمنا أن ضغوطاً مورست لإنجاح عملية التأليف سواء فرنسياً أو روسياً، وتجاوزنا التشكيل، فإن ذلك لا يعني، في رأي مرجع حكومي سابق أن الطريق قد عبدت أمام انتشال البلاد من القعر، وأنه بتنا في مساحة آمنة من الارتطام الكبير الذي ستصيب شظاياه كل الناس دون استثناء. فالشرخ في العلاقة بين رئيسي الجمهورية والحكومة كبير، وليس من ضمانة أن رئيس الجمهورية سيسهل عمل الحكومة للقيام بما هو مطوب منها دولياً من أجل مد يد المساعدة للبنان.
حتى الساعة، من غير الواضح إذا كان الضغط الخارجي ولاسيما تلويح الرئيس الفرنسي بفرض عقوبات على المعطلين سيوّلد حكومة، وإن حصل، فذلك معناه أن «غطاءً ما توفر» لها، قد يكون جزئياً أو كلياً. في المعطيات المتوافرة أن ورقة وقف التدهور التي بيد الحريري هي ورقة صندوق النقد الدولي، حيث أن التفاوض سيتجدد من أجل اتفاق لا يراه بعيداً، في ظل وعود مؤكدة لديه دولياً بتسهيله، إنما هذه الورقة تبقى محفوفة بخطر عودة التجاذبات السياسية من بوابة رئاسة الجمهورية ومن خلفه «الصهر» الذي لن يستكين على الواقع السياسي الذي أضحى يعيشه لاسيما بعد العقوبات الأميركية التي فرضت عليه، والتي لم تقفل أمامه طريق الرئاسة فحسب، بل تهدد مستقبله السياسي وإرث الجنرال. وبالتالي، تكمن المخاوف من حصول أي عرقلة لبرنامج الصندوق، الأمر الذي ستكون تداعياته كارثية على البلاد بعد أن تكون عملية تأليف الحكومة قد خلقت صدمة إيجابية وجلبت معها بعضاً من الثقة تساعد على تهدئة السوق المالية.
لا أوهام عند أحد بأن حكومة الحريري إذا تشكلت ستكون حكومة «انقاذ وطني» ستنقل البلاد من ضفة الانهيار إلى ضفة الازدهار. جل ما قد تستطيع فعله هو «إدارة الأزمة» من أجل تأخير الارتطام الكبير، أو جعله ارتطاماً هادئاً لا يطيح كلياً بالبنيان اللبناني. وهذا أمر لا يزعج «حزب الله» ولا يتناقض مع مصلحته، ما دامت النهائيات التي سترو عليها المنطقة ليست قريبة، وليس متوقعاً أن يبدأ المسار في التبلور قبل الصيف، بحيث تكون التطورات الإقليمية أكثر جلاء مع الاستحقاقات المرتقبة على الأجندتين الإيرانية والسورية وحتى العراقية، ملامح الصورة أكثر وضوحاً في اليمن، والتي يبدو أن إدارة جو بايدن الضاغطة لوقف الحرب في هذا البلد لا تحمل جواباً عن اليوم الذي سيلي، والأهم أن تكون وتيرة التفاوض الإيراني- الأميركي للعودة إلى الاتفاق النووي وما يرتبط به ملفين رئيسين يتعلقان بالصواريخ البالستية والنفوذ قد بانت.
ما ستحمله الأشهر المقبل من تطورات ستكون كفيلة بتحديد المستقبل الذي ينتظر حكومة الحريري وما إذا كانت قادرة على الوقوف في وجه العواصف الداخلية والخارجية، خصوصاً أنها حكومة اختصاصيين لا تحظى بحصانة كافية، خصوصاً إذا سلمت راهناً الأحزاب بوجوه غير مكشوفة سياسياً كي يستطيع رئيس الحكومة مخاطبة الغرب والأميركيين الذين يشترطون عدم وجود الحزب تحديداً في التركيبة الحكومية. وإذا استدعت الحاجة إيرانياً إلى الساحة اللبنانية للمواجهة، فإن ذلك قد يتطلب وجوهاً مكشوفة سياسياً، وهي نصيحة أسداها الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله إلى الرئيس المكلف في إطلالة سترخي بظلالها على المشهد الداخلي. وكل الخوف أن يكون يُقدم على دعسة ناقصة!.