كتب خالد أبو شقرا في صحيفة نداء الوطن:
يتنقّل المضمونون صحياً “من تحت دلفة” شركات الضمان إلى “تحت مزراب” صناديق التعاضد. فَمَن “هرب” من أقساط التأمين الخاص المرتفعة، وقع في مأزق رفع بعض “الصناديق” تسعيرتها وانحسار تقديماتها.
أزمة كورونا وانهيار سعر الصرف ضغطا بقوة على كل “الصناديق”. البعض منها بقي يطبق الفلسفة التعاضدية في عمله، مستفيداً من وفورات كبيرة حققها خلال السنوات الماضية. فيما عمدت الأكثرية منها إلى رفع اشتراكاتها، أو اشتراط تسديد جزءٍ من المبلغ بالدولار، أو حتى احتساب دولارها على سعر 2000 ليرة. ومع هذا لم تتجاوز التغطية الاستشفائية لمرض كورونا 2 مليون ليرة، ولم تأخذ أغلبية “الصناديق” بتوصية “اتحاد صناديق التعاضد” رفع التغطية إلى 5 ملايين ليرة.
الصناديق ترفع اشتراكاتها
إدعاء الصناديق عجزها عن تحمل فواتير المستشفيات التي تحتسب الدولار على 3900 ليرة، قابله رفع أحد الصناديق كلفة الإشتراك بنسبة 30 في المئة منذ العام الماضي، وبدء احتساب سعر الصرف على أساس 2000 ليرة. وعلى الرغم من ان هذا الصندوق يغطي نفقات كورونا حتى 20 مليون ليرة، فهو لا يغطي حالات الطوارئ ولا الفحوصات، إنما فقط دخول المستشفى. ومع هذا، فان التغطية ليست 100 في المئة، بل حوالى 75 في المئة. حيث يدفع الصندوق ما يقارب 1.5 مليون ليرة يومياً بدل غرف العناية الفائقة، مقارنة مع كلفة تبلغ 2 مليون.
وعليه فان المريض يتحمل فرق 500 ألف ليرة عن كل ليلة. أما في ما خص تغطية بعض الصناديق حتى حدود 5 ملايين ليرة، فهي لا تكفي بحسب الخبير في مجال التأمين سليمان حبيقة 3 أيام في العناية الفائقة. و”عليه تبقى تغطية هذه الصناديق قاصرة عن القيام بمتطلبات كورنا. وأقساطها أصبحت مرهقة للعائلات وأصحاب الدخل المحدود”. مع العلم ان “رفع التعرفة في الكثير من الصناديق سبق المباشرة بتغطية كورونا بحوالى العام. فاستطاعت “الصناديق” خلاله تحقيق وفورات كبيرة أضيفت الى المبالغ المجمعة منذ سنوات طويلة”، بحسب حبيقة. الأمر الذي يفرض على الصناديق البالغ عددها 64 صندوقاً، تأمين الحاجات والمتطلبات الصحية لنحو 340 ألف منتسب يعانون من ظروف صحية ومعيشية بالغة الصعوبة”.
الإتكال على “الصحة”
تَحجج صناديق التعاضد بكلفة كورونا المرهقة، دفع بوزارة الزراعة، بوصفها الجهة الناظمة لعمل الصناديق، رفع مقترح “اتحاد الصناديق” إلى وزارة الصحة ومطالبتها بتحمل فرق فاتورة المستشفى. لكن عدا عن ان هذا المقترح هو كمن يطلب من “الأعمى يقشع”، بسبب عجز وزارة الصحة عن تأمين المطلوب منها أساساً، فهو “مطبق منذ زمن بعيد” بحسب حبيقة. ففي حين تعمد الصناديق “المدعومة” منذ فترة الى استغلال وزارة الصحة لتغطية عمليات استشفاء المنتسبين اليها، فان معظم الصناديق لا تغطي بنفسها الحالات الكبيرة Jumbo claim. بل تعمد إلى الطلب من المنتسبين الدخول على حساب وزارة الصحة، وتدفع هي الفرق الناتج مباشرة للمريض. وبهذا تتحمل وزارة الصحة أكلاف مرضى يدفعون اشتراكات سنوية لصناديق ضامنة، كان من المفترض ان يكونوا مؤمنين، وعبئهم لا يقع على عاتقها. فوضى العمل
فوضى التنظيم والتسعير والتغطية في صناديق التعاضد، أصبحت تهدد بفقدان هذه الجمعيات للهدف الأساسي الذي قامت عليه، وخسارة ثقة منتسبيها. فقد تحولت بعض الصناديق إلى “صرافين تخترع منصات وتحدد سعر الصرف على ذوقها، وتقسم المستفيدين إلى فئات يحصلون على التغطية بقدر ما يدفعون من اشتراكات. وبعضها يهدد المنتسبين بتحميلهم أسعار الأجهزة الإصطناعية prothèse كـ “رسور” القلب وقضبان الفضة والركبة الإصطناعية، وغيرها الكثير من الأدوات كاملة، في حال عدم التسديد بالدولار أو بحسب سعر الصرف”، يقول حبيقة. و”هذا ما يتعارض مع دور الصناديق أولاً، ومفهوم التعاضد ثانياً. حيث يجب ان يعامل كل المنتسبين بنفس الطريقة ويحصلون على نفس التغطية. خصوصاً انهم جمعياً من محدودي الدخل”.
الهيئات الصحية تنهار!
واقع صناديق التعاضد الصحية في لبنان، “لا يختلف عن واقع مختلف الهيئات الضامنة سواء كانت خاصة أو عامة، لجهة العجز عن مجاراة ارتفاع فواتير المستشفيات والخدمات الطبية التي أصبحت تسعر على أساس 3900 ليرة”، يقول رئيس اتحاد صناديق التعاضد في لبنان غسان ضو. “حتى ان وضع الصناديق بصفتها جمعيات لا تبغي الربح وتتغذى من اشتراكات المنتسبين بحسب قدراتهم المادية يعتبر أصعب وأكثر دقة. فزيادة الاشتراكات بنفس نسبة ارتفاع الفاتورة الطبية، سيؤدي إلى إحجام المواطنين عن الإنتساب إلى صناديق التعاضد، وتحميل كامل عبئهم إلى وزارة الصحة”.
وبحسب ضو فان “الفوارق بين تغطية الصناديق هو أمر واقع وطبيعي تحدده أعداد المنتسبين والمنطقة الجغرافية الواقع فيها الصندوق، ونسبة تواتر المرض، أو ما يعرف في أنظمة التأمين بـ frequency of sickness. هذه العناصر تشكل الدراسة الإكتوارية الإرتقابية التي تسمح بتحديد المبلغ المتوقع ان يسدده الصندوق للمستشفيات، وبدل الأعمال الطبية في بداية العام عند تحضير الموازنة. ومن ثم يعمد الصندوق إلى تقسيم المبلغ المتوجب دفعه على المنتسبين بحسب الفئات العمرية، فتتحدد الاشتراكات”. وهذا ما يعني أن زيادة الفاتورة الاستشفائية تفرض حكماً تغيير الاشتراكات بشكل دوري.
الزيادات أكبر من الحاجة
على المقلب الآخر فان معدل دخول المستشفيات سنوياً يقدر بـ 17 إلى 20 في المئة من أعداد المنتسبين. وبالتالي فان “الاشتراكات المدفوعة لكامل الأعضاء تستطيع تحمل هذه النسبة في الكثير من الصناديق من دون أي زيادة على الإشتراكات، أو أقله بزيادات مقبولة تستطيع الأسر تحملها”، يقول حبيقة. “حتى ان أزمة كورونا خففت بدلات الإستشفاء على الصناديق. حيث انخفض معدل الفحوصات الدورية بنسبة 50 في المئة وأحجم الكثير من المشتركين أو المنتسبين إلى الصناديق عن إجراء العمليات الجراحية غير الاضطرارية بسبب الخوف من التقاط عدوى كورونا في المستشفيات. هذا عدا عن ان هذه الصناديق لم تباشر إلا متأخرة في تغطية نفقات كورونا”.
في الوقت الذي تنازلت فيه الدولة عن تأمين الأمن الصحي لمواطنيها، وباءت كل محاولات توحيد الجهات الضامنة بالفشل يبقى النظام التعاضدي الذي يغطي 9 في المئة من سكان لبنان بارقة أمل. فهذه الصناديق جمعت في العام 2020 ما يقارب 240 مليار ليرة وسددتها إلى المستشفيات بدل أعمال طبية. إلا ان اهميتها يجب ان تتكامل مع وعي المواطنين ومساندة الدولة وعقلنة فواتير المستشفيات ومراقبتها وتخفيف الهدر والفساد في المعاملات الطبية، وإلا فان النظام الصحي في البلد قادم على كارثة حقيقية.