كتب مازن ع. خطاب في “الجمهورية”:
في كلامٍ ليس ببعيد عن مواقفه السابقة حيال العدو الصهيوني، تطرّق جبران باسيل مرّة جديدةً إلى «السلام مع إسرائيل» وسوّق للكلام تحت ذريعة تحييد لبنان عن قضايا لا ارتباط له فيها. الّا أنّ الجديد في خطابه هو ربطه بين «المشرقيّة» وعمليّة السلام باعتبار أنّ المشرقية هي دعوة مفتوحة للسلام بين الشعوب، لكنّه يريد سلاماً مع «إسرائيل» مشروطاً بقوة لبنان القائمة على استراتيجية دفاعية لصيقة بسلاح «حزب الله».
مواقف باسيل تحاكي توجّهات رئيس الجمهورية ميشال عون الذي عبّر مراراً عن استعداد لبنان للسلام بعد حلّ مشاكله الخلافية مع «إسرائيل»، من غير أن يعبّر بلغته السياسية عن ثابتة «العداء لإسرائيل».
من جهتها عبّرت كلودين عون في موقف سابق أنّ السلام مع إسرائيل يكون بعد الترسيم وضمان موارد لبنان، وأكّدت أنّه ليس لديها خلاف عقائدي مع اسرائيل وأنّ المطلوب هو الّا يبقى لبنان في حالة حرب.
لا شكّ أنّ نزعة السلام مع «إسرائيل» مزروعة في كينونة الفكر العوني، فإلى متى يغضّ عنها «الممانعون» النّظر؟
خطابُ باسيل أفشى قناعات هذا الرجل المسكون باستغلال مسيحيّته، الذي فتح الدعوة «المشرقيّة» على الدعوة الى السلام الدائم والشامل بين لبنان القوي امنياً واقتصادياً مع «إسرائيل». ولا يمكن قراءتها بمعزل عن مكنون قدرة لبنان الدفاعيّة، أي أنّه لا يمكن الحديث عن قوّة لبنان إلّا بربط هذه القوّة بسلاح حزب الله وتحت المظلّة الإيرانية للمشرقية من منظور باسيل.
وفي الواقع أنّ كلام العونيّين عن السلام مع اسرائيل والتأكيد على حقّه بالعيش في سلام، والذي يغلّفه باسيل بتعابير مبتذلة وتبريرات واهية، لا يُصرف لدى الحزب ولا عند إيران، الّا أن الحزب وجمهوره التزموا الصمت في الوقت الراهن ربّما الى حين تنظيم حوار يطوّر من خلاله تفاهم مار مخايل وتتم من خلاله معالجة هذه القضيّة الخلافيّة. وفي الوقت الحالي سيصوّر الحزب مواقف باسيل على انّها تسويق لوثيقة التيار السياسية ليرضي بها مناصريه وجمهوره المسيحي، ومحاولة التخفيف من وقع العقوبات الاميركية.
في المحصّلة إنّ الكلام عن السلام مع اسرائيل في هذا التوقيت الحرج هو بمثابة وضع لغم جديد يُساهم في تأجيج وتفجير الوضع على الساحة الوطنيّة، خصوصاً وان هناك شريحة لبنانيّة واسعة ترفض السلام مع اسرائيل، سواء من الناحية السياسية او العقيدة الدينية، وتعتبر «إسرائيل» كياناً غاصباً تكنّ له العداء، وسيظل حتى إزالة تلك الدولة من الخريطة.
صحيحٌ أنّ لبنان لن ينال حقوقه سوى من خلال اكتساب القوّة وبتوازنات القوى، لكن السواد الأكبر من اللبنانيّين لا يقبل أنّ يرتبط ذلك بإلزامية إقرار السلام مع اسرائيل، وأن يجعل البعض من القضيّة الفلسطينيّة والعداء لاسرائيل وجهة نظر لأهداف سياسيّة.
ويبقى السؤال الأهم: هل سيتجاوز الفكر العوني بيئة لبنانية رافضة تنظر الى الخلاف مع «إسرائيل» على انه عقائديّ؟