كتب محمد شقير في “الشرق الاوسط”:
استبق الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله، بطروحاته حول تشكيل الحكومة الجديدة اللقاء المرتقب والحاسم بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين الرئيس المكلف سعد الحريري بعد غد الاثنين، وفتح الباب بدعوته لتشكيل حكومة تكنوسياسية أمام توظيفها لإعلان نهاية المبادرة الفرنسية، وإن كان قال بأنه يمشي بتشكيل حكومة من اختصاصيين مشترطاً التوافق عليها بين الرئيسين.
فنصر الله – كما تقول مصادر سياسية أجرت قراءة متأنية لطروحاته – جمع بين مجموعة من التناقضات، أولها مع التوافق على حكومة من اختصاصيين، وثانيها نصيحة للرئيس المكلف بتشكيل حكومة تكنوسياسية، وثالثها لرئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب بدعوته لتفعيل الحكومة بدءاً بمعاودة اجتماعاتها، مع أنه حرص على تمرير رسالة لعون فُهم منها أنه يدعوه للتمسك بموقفه وعدم التخلي عنه.
وفي هذا السياق، قالت المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط»، إن عون هو المستفيد الأول من طروحات نصرالله الحكومية، خصوصاً أنه كان أُعلم بموقفه الذي أبلغه للحريري، وفيه تمسكه بتشكيل حكومة من 20 وزيراً مع حقه في الاحتفاظ بالثلث الضامن، في مقابل إصرار الحريري على أن تتشكل من 18 وزيراً من اختصاصيين ومستقلين من غير المحازبين، وألا يُعطى أي طرف الثلث الضامن، الذي لم يأت نصرالله على ذكره بخلاف تأييده له في إطلالته التلفزيونية السابقة.
وكشفت عن أن نصرالله بادر من خلال مساعديه إلى تسويق دعوته بتشكيل حكومة تكنوسياسية من 24 وزيراً، 18 من ذوي الاختصاص ومستقلين و6 وزراء دولة يمثلون القوى السياسية، بذريعة أن هناك ضرورة للاستعانة بالقوى السياسية لتوفير الغطاء الداعم للحكومة التي ستتخذ قرارات غير شعبوية، وقالت إن جميع المعنيين بتشكيل الحكومة أُحيطوا علماً بتفاصيلها، أبرزهم رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، الذي يُعد أول المستفيدين من طرح حليفه «حزب الله» الذي يتيح له العودة إلى طاولة مجلس الوزراء.
ومع أن المصادر فضلت عدم استباق رد فعل بري وجنبلاط، وأيضاً زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية على طرح نصر الله، رأت في المقابل أن مجرد مطالبته بحكومة تكنوسياسية تعني أن الحزب قرر بطريقة أو بأخرى إطلاق مبادرة جديدة خارج إطار المبادرة الفرنسية.
وأكدت أن أجواء لقاء بعبدا بين عون والحريري لم تكن إيجابية، وكانت سلبية بامتياز، لكن الرئيس المكلف حرص على فتح ثغرة ليوحي للبنانيين بأن الأبواب ليست مغلقة، لأن ما يهمه بالدرجة الأولى وضع حد للارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، وبالتالي فإن سعره سيرتفع لو توجه إلى اللبنانيين بموقف آخر.
واعتبرت أن نصرالله أراد أن يرضي بطرحه بعض الأطراف، تحديداً عون الذي طالب بأن يعطى الثلث الضامن في الحكومة، وأن يحاكي في الوقت نفسه باسيل لإعادة تعويمه ليرد له الاعتبار السياسي، لكنه لن يرضي من يدعم السير على بياض بالمبادرة الفرنسية، وقالت إن ردود الفعل على طروحاته جاءت متفاوتة مع أن أصداءها لم تكن جيدة على الملف الحكومي ولا الملفات الأخرى.
وعزت السبب إلى أنه وجه إنذارات باتجاهات متعددة برزت في مخاطبته حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بكلام عالٍ على خلفية تحميله مسؤولية عدم تدخله لوقف ارتفاع سعر صرف الدولار، وأيضاً في رسالته لقيادة الجيش على خلفية عدم تدخل الوحدات العسكرية والأمنية لفتح الطرقات، ومن خلالها للحراك المدني.
ولم تسقط المصادر في قراءتها لطروحات نصرالله اتهامه من يطالب بالحياد بأنه يخطط لربط لبنان بالمحور الأميركي – الإسرائيلي، إضافة إلى أنه لم يحدد هوية الجهة التي يتهمها بالتحضير للعودة بالبلد إلى الحرب الأهلية، وأبقى اتهامه في العموميات.
لذلك تعد المصادر أن ما قاله نصرالله لا يدعو للارتياح، وكأنه يقول بأن لقاء الاثنين لن يُسفر عن نتائج إيجابية تدفع باتجاه إخراج أزمة تشكيل الحكومة من المراوحة التي تتخبط فيها، وتقول بأنه أصدر حكمه منذ الآن على هذا اللقاء، إفساحاً في المجال أمام تسويق دعوته لتشكيل حكومة تكنوسياسية.
وتؤكد أن طروحات نصرالله كانت موضع تقويم بين الرئيس المكلف ورؤساء الحكومات السابقين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام على قاعدة الالتزام بالمبادرة الفرنسية، خصوصاً أن الفريق المساعد للرئيس إيمانويل ماكرون لا يزال على تواصل مع القيادات المعنية بغية استقراء مواقف الأطراف من طروحات نصرالله.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن بعض أعضاء هذا الفريق كثفوا اتصالاتهم بهذه القيادات بعد الدعوة «النارية» التي وجهها عون للحريري، وأقحمت البلد في اشتباك سياسي لا مبرر له، مع أن الحريري قرر أن يتجاوزه وتوجه إلى بعبدا للقائه في محاولة جديدة لم يُكتب لها النجاح للإفراج عن الحكومة.
وتبقى الإشارة إلى أن الحريري لن يؤيد هذه الطروحات، ويصر على موقفه الذي كرره أول من أمس أمام عون، الذي يتلخص بحكومة من 18 وزيراً من اختصاصيين ومستقلين من غير المحازبين، ولا ثلث ضامن لأحد، فهذه هي مواصفاته لحكومة تحاكي المبادرة الفرنسية، ولا تحيد عنها، وهي تشكل – أي طروحاته – المعادلة الذهبية لتزخيم التحرك الفرنسي المرتقب، خصوصاً أنه سيكون لباريس موقف آخر في حال أن لقاء الاثنين أبقى على تمديد الأزمة الحكومية.