كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:
يتبادر الى اذهان المتابعين، ولا سيما منهم اولئك الذين يعرفون حدود اللعبة السياسية المحلية، ويدركون جيداً مكامن العقد والحل والربط، سؤال هو: لماذا دعت روسيا «حزب الله» الى زيارتها ولم تدعُه ايران، طالما انّ الكلمة الفصل معروفة وجهتها، سواء كانت المحاور لبنانية او سورية أو غير ذلك؟
يؤكّد مصدر ديبلوماسي متابع للشؤون الروسية، أنّ دعوة موسكو «حزب الله» الى زيارتها، كان موضوعها الاساس لبنان، على عكس ما يُروّج في الاعلام من أنّها كانت تتعلق بانسحابه من سوريا. لافتاً الى البيان الروسي الختامي الذي يؤكّد هذا الامر، إذ تحدث في مستهله بإسهاب عن ملف الحكومة، لينتقل بعدها في الجزء النهائي الى سوريا.
ويلفت المصدر، الى انّ خروج «الحزب» من سوريا «يُطلب أساساً من النظام السوري وليس من موسكو. وانّ طرح هذا الطلب ما زال مبكراً». وتأكيداً لهذا المنطق يشير المصدر، الى أنّ موضوع سوريا وايران في المنطقة تطرحه روسيا مع طهران ومع الحرس الثوري الإيراني، وليس مع وفد «حزب الله» برئاسة رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد. ولذلك، يعاود المصدر التأكيد، انّ موضوع لبنان كان الهدف الاساس من دعوة الحزب الى موسكو، مذكّراً بأنّ البيان الختامي الذي صدر بعد المحادثات بين الجانبين، أكّد في ما يتعلق بالشأن السوري، تقيّد روسيا بضرورة تنفيذ الحل وفقاً لقرار الامم المتحدة الرقم 2254، والذي يقضي بعودة النازحين بتمويل دولي. الأمر الذي لا يناسب «حزب الله»، اذ انّه غير موافق في الأساس على هذا القرار، لأن ليس لإيران اي دور فيه، بل تُرك لروسيا. كما انّ القرار لا يناسب ايران، لأنّ من مصلحتها اليوم البقاء في سوريا، إلّا اذا وُجد الحلّ السياسي الذي سيجبرها على الخروج منها.
أما لماذا قرّرت موسكو الاجتماع مع «الحزب»، في وقت كان في إمكانها أخذ الجواب النهائي من ايران، فيلفت المصدر، الى انّه أثناء وجود وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف في موسكو، تمّ التطرق الى المسألة اللبنانية، فأجابهم ظريف، أنّ موضوع لبنان في يد «حزب الله» الذي هو الأدرى به. بما معناه انّ القضايا اللبنانية الداخلية يدركها «حزب الله» وهو اكثر الماماً بها، وعلى هذا الاساس تواصل الروس مع «الحزب»، شأنه شأن رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، ورئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري، ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، ورئيس «لحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، وذلك بهدف إيجاد حل للأزمة الحكومية، خصوصاً بعد عزوف موفد الرئيس الروسي الى الشرق الاوسط ميخائيل بوغدانوف عن زيارة لبنان التي كانت مقرّرة سابقاً. ولذلك، وجّهت الدعوات الى كافة القوى السياسية ومنها «حزب الله» لزيارة موسكو. وكشف المصدر، انّه خلال اللقاء بين الحزب والجانب الروسي، تمّ التطرق الى مواضيع عدة أبرزها وضع لبنان وقضية اللاجئين السوريين، التي من الطبيعي ان يتطرق اليها اي مسؤول لبناني يزور موسكو. علماً أنّ بيان الخارجية الروسية استخدم عبارات «قال لافروف، اكّد لافروف»، ولم يقل «قال «حزب الله» او اكّد حزب الله». ولفت المصدر نفسه، الى انّه لا يمكن الروس ان يتواصلوا مع جميع القوى السياسية ويستثنوا «حزب الله»، او ان يستعيضوا عنه بالتكلم مع ايران. وفي المقابل، لا يمكن استبعاد فكرة انّ ايران بدورها تحاول التهرّب من تلك المناقشات، في حال لم يكن لديها أجوبة قاطعة او نهائية في المرحلة الراهنة، ولذلك، ترى من مصلحتها رمي الكرة في ملعب «حزب الله» للمناورة أو هروباً من الجواب القطعي.
وفي السياق، أوضح المصدر نفسه، انّ روسيا لم توجّه دعوات رسمية الى كافة الأحزاب اللبنانية، بمعنى انّها لم توجّه دعوة رسمية لا لـ»القوات اللبنانية» ولا لـ «التيار الوطني الحر»، بل أنّ سفير روسيا في لبنان أعلن أنّ بلاده مستعدة لاستقبال اي شخصية سياسية ترغب بزيارتها، للمساعدة في إيجاد حلول للأزمة الحكومية اللبنانية، مكرّراً أنّ بلاده على علاقة جيدة مع جميع الاطراف والقوى، وهي جاهزة لاستقبال الجميع اذا رغبوا بزيارتها.
عقبة العقوبات
وعن العقوبات في حال كانت تعوق سفر باسيل او غيره من الشخصيات اللبنانية التي صدرت في حقها عقوبات اميركية، يلفت المصدر الى أنّ موسكو لا تعلّق اهمية على العقوبات الاميركية، وخصوصاً في هذه المرحلة المتوترة بينها وبين واشنطن، بمعنى انّ اي شخصية سياسية لبنانية صدرت عقوبات اميركية في حقها، ترغب في زيارة روسيا، فإنّ هذه العقوبات لن تكون عائقاً امام هذه الزيارة.
إلّا انّ المصدر افترض انّ باسيل تحديداً لن يكون متحمساً لزيارة روسيا، بعد موقفها السياسي الاخير، واصرارها على تسمية سعد الحريري رئيساً للحكومة الإنقاذية. لافتاً الى أنّ الموقف الروسي واضح بالنسبة الى الحكومة اللبنانية المستقبلية، وهو أن تكون حكومة تكنوقراط برئاسة الحريري، ولا تتضمن ثلثاً معطلاً لأي فريق. وليس من الضروري ان يكون الجميع موافقاً عليها، بل يكفي ان تنال دعم القوى السياسية حصراً، وهذا هو الموقف الروسي الواضح الذي أبلغته أيضاً الى وفد «حزب الله».
الاطراف الخارجية
وكشف المصدر المتابع للموقف الروسي، أنّ بنتيجة تواصل روسيا مع مختلف الاطراف الخارجية الراغبة في مساعدة لبنان، اكّد الجميع انّ من غير الممكن حصول لبنان على اي مساعدات، لا من دول الخليج ولا من بقية الدول العربية او من البلدان الاوروبية، إذا لم تؤلّف الحكومة بالصفات التي طالب بها الطرف الروسي. وقال، انّ وفد «حزب الله» في موسكو «وافق على كل تلك النقاط المتعلقة بتشكيل تلك الحكومة»، مشيراً الى انّ البيان الذي صدر عن الخارجية الروسية دلّ الى نجاح اللقاء بين الجانبين، إذ تضمن تأييد الإسراع في تشكيل «حكومة مهمّة قادرة» برئاسة الحريري، في اشارة ايضاً الى انّ الروس لو لم يرغبوا بالحريري لما كانوا سمّوه شخصياً في البيان، واكتفوا بطلب الإسراع بتشكيل حكومة تكنوقراط انقاذية، من دون ذكر الحريري، فيما ردّد وفد «الحزب» من موسكو، أنّه موافق على حكومة برئاسة الحريري، على ان لا تتضمن ثلثاً معطّلاً لأحد، وان تكون حكومة اختصاصيين.
الاسئلة الملحّة
أما السؤال الملح الذي يُطرح اليوم، فهو انّ «الحزب» اذا كان فعلاً يريد حكومة برئاسة الحريري في أسرع وقت، لماذا لا يتكلم بالمباشر مع المعترضين ومع باسيل تحديداً؟ ومن الاسئلة الملحّة ايضاً: هل تريد ايران فعلاً اليوم تشكيل حكومة في لبنان، في وقت يراهن البعض على المفاوضات الايرانية ـ الاميركية، التي تبدو طويلة وغير سريعة او متسرّعة، ويبدو فيها الاميركي غير مستعجل بعكس ايران؟ والسؤال ايضاً وأيضاً: هل يتحمّل الوضع اللبناني كل هذا التباطؤ في المفاوضات؟ وهل يتحمّل اللبنانيون الانتظار مع بدء التظاهرات وقطع الطرق والتفلّت الأمني وارتفاع سعر الدولار واختفاء البنزين والمواد الاستهلاكية الضرورية، فيما بدأت تتظهر ايضاً الضائقة المعيشية في المناطق الشيعية أسوة بسائر المناطق المسيحية؟ والسؤال المطروح ايضاً: هل يمكن القوى الشيعية ان تتحمّل هذا الوضع، والى متى، خصوصاً وانّ الجميع يدركون انّ «كلمة السر» هي في حوزة «الحزب»؟.
تبقى الخطوات المستجدة التي تمثلت في زيارة السفير الروسي لباسيل، والتي قرأها البعض استكمالاً للضغط لتشكيل الحكومة، فيما ادرجها البعض الآخر في سياق الردّ الروسي على العقوبات الأميركية ايضاً، وتحديداً في هذه المرحلة، وذلك للقول للأميركيين انّ روسيا لا تلتفت اليها، معولين على علاقة روسيا الجيدة اساساً مع رئيس الجمهورية ومع باسيل وزير الخارجية السابق، للوصول الى حل وتشكيل الحكومة.
اما الخطوة المستجدة الاهم، والتي قد تكون مؤشراً إيجابياً الى اتفاق دولي على ضرورة الاسراع في تشكيل الحكومة، هو اعلان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمس «انّ الوقت المخصّص لامتحان مدى تحمّل المسؤولية في لبنان قد نفد، ويترتب علينا في الاسابيع المقبلة وبطريقة واضحة، تغيير المقاربة والاسلوب تجاه الأزمة اللبنانية».