كتب وسام أبوحرفوش وليندا عازار في الراي الكويتية:
غداً لناظره قريب… فبعد خميس الرياح التبريدية على خط رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري و«التسخينية» التي هبّت من إطلالة الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله، يسود حبْس الأنفاس في ملاقاة «الاثنين الموعود» لِما سيرتّبه على صعيد الاستشراف الحقيقي لمآل الأزمة اللبنانية انطلاقاً من ملف تشكيل الحكومة الجديدة.
وبعد يومين من «الكلام المفصلي» لنصرالله الذي بدا أقرب الى «توزيع مهمات» و«مسؤوليات» في العناوين المالية والأمنية والسياسية، راسماً ما بدا أنه إطار التكيّف مع تمديدٍ إضافي غير قصير الأمد للمأزق الحكومي ما لم يخضع التأليف إما لشروط حليفه رئيس الجمهورية وفريقه وإما لمقتضيات المرحلة الإقليمية الحساسة، لم تَخْرج بيروت من تحت تأثير هذه الإطلالة التي بات بالتأكيد ما بعدها ليس كما قبْلها.
وقاربتْ أوساطٌ واسعة الاطلاع مواقف نصرالله من زاويتيْن:
الأولى أنها كرّست بكلّيتها، في خلاصاتها أو استهدافاتها المباشرة، أن «حزب الله» هو الناظم الفعلي للواقع اللبناني ومساراته، سواء برفْده عون دعْماً قوياً، أو بـ «نصيحته» للحريري باختصار الوقت والذهاب لحكومة سياسية أو تكنو – سياسية قبل أن «يطوّقه» بتهديدٍ دستوري بتفعيل حكومة حسان دياب المستقيلة كما تعديل الدستور لقطع الطريق على المهلة المفتوحة للتأليف، أو بانتقاده الضمني لرئيس البرلمان نبيه بري بعدما «سمعنا لمَنْ نثق به» بأن الإطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة (حين طُرحت في الحكومة الماضية) ستوصل الدولار إلى 15 ألف ليرة «وقد وصل»، أو بربْط أداء الجيش والقوى الأمنية بإزاء قطْع الطرق بـ«السفارات» وصولاً لطرْح معادلة «وصلت لهون» وإذا استمر التغاضي عن هذه العمليات «فللبحث صلة»، قبل استحضار «الحرب الأهلية» مجدداً بوصْفها مطلباً للخارج وبعض أطراف الداخل.
أما الزاوية الثانية فـ «جوهر» الإطلالة الذي تمحور حول «جملتين» عن عدم ممانعة حكومة الاختصاصيين من غير الحزبيين «إذا اتفق عليها الاثنان رئيس الجمهورية والرئيس المكلف»، في مقابل ما بدا أنه «البلاغ رقم واحد» حول الحكومة السياسية والتي قدّم نصر الله «مطالعة مطوّلة» عن ضروراتها لحماية أي عملية إنقاذ ومسارها الصعب، مع تلويح بأن حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين ستكون «مكشوفة» في الشارع محدداً لها عمر «شهر أو شهرين».
وفي رأي الأوساط الواسعة الاطلاع أن هذا الكلام «ينسف» البنيان الذي عُمل عليه في الأشهر الخمسة الماضية من عمر تكليف الحريري الذي يدخل غداً شهره السادس، سواء اقتصر الأمر على تعديل توازنات صيغة الاختصاصيين من غير الحزبيين، أو بلغ حدّ الدفع الجدي نحو حكومة سياسية بأدوات ما قبل الانتفاضة الشعبية وما قبل المواصفات الفرنسية – الدولية لحكومة المَهمة الإنقاذية.
ومن هنا تعتبر هذه الأوساط، أنه رغم الضبابية التي مازالت تكتنف ما سيترتب على اندفاعة نصر الله والتي لن يطول الأمر قبل انقشاعها، فإن هذه النقلة التصعيدية تراوح بين حدّيْن:
الأوّل تعزيز موقع عون وفريقه، ولا سيما رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل التفاوضي تحت سقف حكومة الاختصاصيين، لجهة الثلث المعطّل كما نوعية الحقائب (وخصوصاً الداخلية)، وهي المطالب التي يعطيها رئيس الجمهورية عنوان «الميثاقية والتوازن واحترام الآليات الدستورية».
وفي هذه النقطة، تقول الأوساط إن مناخاً يسود في كواليس فريق 8 آذار حول استشعار «حزب الله» خصوصاً بأن ثمة مَن يريد محاصرة عون ومنْعه من أن يحْكم من ضمن «مؤامرة خارجية مع بعض الداخل»، وأن من شأن السماح بذلك التأثير في التوازنات اللبنانية بامتداداتها الاقليمية والتي اكتمل إمساك الحزب بها «بالنظام» بعد انتخابات 2018 التي فاز وحلفاؤه بالغالبية فيها.
كما تعتبر الأوساط نفسها أن «حزب الله» ومن ضمن صيغة الاختصاصيين، أعطى إشاراتٍ غير معلنة في الأيام السابقة لإطلالة نصر الله بأن التعقيدات العالقة بين عون والحريري هي واحدة من سلسلةٍ ستصل في «ساعة الحقيقة» عند أسماء وزيريْ الحزب بمعنى أن تسميتهما لن تكون إلا له.
أما الحدّ الثاني الذي تمت من خلاله مقاربة الانعطافة الحادة في تموْضع «حزب الله» حكومياً والتي جاءت بعد شهر بالتمام والكمال على إمساكه بالعصا من الوسط وملاقاته الحريري بعدم تحبيذ نيل فريق لوحده الثلث المعطّل مع دعوة لمرونة حيال حجم الحكومة (يفضّلها عون من 20) والحقائب، فهو أنه بمثابة «انقلاب ناعم» يقلب الطاولة عملياً على حكومة الاختصاصيين لمصلحة حكومة سياسية يتمثّل فيها هو مباشرةً وحلفاؤه فيقطع الطريق على تشكيلة يصعب التحكّم بها أو تتعدّد «مفاتيح» إدارة مهماتها في الخارج والداخل، في لحظة اقليمية بالغة الدقة على صعيد المفاوضات حول النووي الايراني التي قد يترتب في ضوئها «توزيع الأرباح والخسائر».
ورأت الأوساط أن نصرالله بـ «الارتداد» الى الحكومة السياسية إنما يوجّه رسالة قاسية إلى باريس قد تكون مرتبطة بأدائها إزاء الملف الإيراني، وأيضاً الى الروس الذين جاهروا عشية استقبال وفد «حزب الله» النيابي بالرغبة في حكومة تكنوقراط وسط انطباعٍ بأن الحزب ومن خلفه طهران يريدان «ترسيم حدود» مناطق نفوذهما أمام الحلفاء كما الخصوم، مذكّرة بما سرى أخيراً عن تباينات ايرانية – روسية حول الملف السوري، ناهيك عن أن قضية الحدود اللبنانية – السورية التي يُعتبر الحلقة الأهمّ في «قوس النفوذ» الايراني وترابُطه البري باتت على طاولة أي حكومة مقبلة بوصْفها مطلباً دولياً ولو تحت عنوان ضبْط التهريب.
وفي حين ترى الأوساط نفسها أن وقوف لبنان أمام معادلةٍ تفضي إما إلى حكومة الاختصاصيين بشروط عون – نصر الله أو إلى حكومة السياسيين ولو كلّف الأمر إحراج الحريري لإخراجه، يعني أن البلاد دخلت منعطفاً جديداً أكثر خطورة سيتبيّن أفقه ابتداء من يوم غد بحال «صمد» موعد لقاء عون – الحريري، وسط ملاحظة هذه الأوساط أن فريق رئيس الجمهورية، الذي برز استقباله الزعيم الدرزي وليد جنبلاط مطلقاً «نداء للتسوية» بمعزل عن الأرقام، مضى بتلقُّف كلام نصر الله «لجهة حماية لبنان ومكافحة الفساد ووقف الانهيار المالي، كونه فرصة جديدة لتزخيم التعاون بين التيار والحزب».
وفي أي حال تعتبر الأوساط نفسها أن الحريري الذي لم يُعلّق على كلام نصرالله، بات عملياً في وضعيةِ عون وفريقه وشروطهما أمامه و«حزب الله» وتصعيده من خلفه، فكيف سيردّ وما الهوامش المتاحة له؟