كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
ينعقد الاثنين اللقاء المرتقب بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري تحت وطأة «خريطة الطريق» التي طرحها الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، والتي ترتبت عليها تداعيات وردود فعل أولية لم تكن لصالح طروحاته، وقوبلت بردود فعل سلبية لما احتوته من تناقضات، فيما لقيت ترحيباً من رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل، الذي بدا في تغريدته متناغماً مع حليفه الاستراتيجي، خصوصاً أنه على علم مسبق برفض عون للمواصفات التي يتمسك بها الحريري للإبقاء على المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان قيد التداول، بصفتها الممر الإلزامي لوقف الانهيار.
فالأمين العام لـ«حزب الله» انطلق في تسويق دعوته إلى تشكيل حكومة تكنوسياسية من معرفته المسبقة بأن عون ليس في وارد الموافقة على تمسك الحريري بتشكيل حكومة من 18 وزيراً من اختصاصيين ومستقلين ومن غير المحازبين، وألا يكون فيها الثلث الضامن لأي طرف، وإن كان ربط موافقته عليها بتوافق عون والحريري.
وطرح نصر الله أيضاً خياراً بديلاً لتعذر تفاهم عون – الحريري على حكومة مهمة من اختصاصيين من جهة، ولرفض الأخير أن تكون حكومة تكنوسياسية هي البديلة، لأن مجرد موافقته تعني حكماً بأنه يطلق رصاصة الرحمة على المبادرة الفرنسية من جهة ثانية. ناهيك من أن نصر الله بطرحه البديل الآخر، بتفعيل حكومة تصريف الأعمال، يوقع نفسه في تناقض. وتسأل مصادر سياسية كيف أنه يعيب على حكومة من اختصاصيين أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات إصلاحية وأخرى غير شعبوية ما لم تطعم من داخلها بغطاء سياسي بإشراك القوى السياسية فيها، بينما يدعو لتفعيل الحكومة المستقيلة.
وتسأل المصادر من أين تستحضر الحكومة المستقيلة قوتها ليكون في مقدورها إعداد مشروع قانون الموازنة للعام الحالي، وترشيد الدعم، وتحقيق الإصلاحات، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي الذي يأخذ على هذه الحكومة الانقطاع عن التواصل معه، بصرف النظر عن الخطوط الحمر التي رسمها نصر الله للتفاوض، لئلا يوقع البلد في شرك شروطه؟
وتلفت المصادر نفسها إلى أن تعويم الحكومة المستقيلة دونه محاذير تتجاوز إصرار رئيسها حسان دياب على تلقي الضوء الأخضر من البرلمان شرطاً لإعادة تفعيلها، وهذا ما يلقى معارضة من رئيسه نبيه بري، لسببين: الأول يكمن في أن مجرد موافقته تعني أنه يسهم في رفع الضغوط التي تطالب بتشكيل حكومة جديدة، وبالتالي قرر التعايش مع المستقيلة؛ والثاني يعود إلى أنه يشارك في الانقلاب على المبادرة الفرنسية، إضافة إلى ما يترتب على موقفه من تداعيات سلبية على العلاقة بين السنة والشيعة، وردود فعل دولية.
وتؤكد أن نصر الله لم يكن موفقاً في طروحاته للخروج من أزمة تشكيل الحكومة، ولم يكن مضطراً لاستخدام النبرة العالية التي انطوت على إنذارات للآخرين ليست في محلها، ولن تبدل من صمود البطريرك الماروني بشارة الراعي على موقفه، مع أن نصر الله غمز من قناة من يدعو للتدويل من دون أن يسمى من أطلقها.
كذلك، فإن جهات مسيحية متعددة الانتماءات تستغرب تلميحه بأن هناك من يتحضر للعودة بالبلد إلى الحرب الأهلية التي أصبحت من الماضي، ولا ضرورة للتذكير بها في سياق تناوله للأزمة الحكومية، لأن هم اللبنانيين هو وقف تدهور أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية التي لا تعالج باستخدام «العصا الغليظة»، وإنما بتوفير الحلول السريعة قبل فوات الأوان.
وتكشف أن نصر الله لم ينسق ما طرحه مع حليفه الاستراتيجي الرئيس بري، في ضوء ما يتردد من أنه فوجئ ببعض ما طرحه نصر الله في موضوع تشكيل الحكومة، وما لديه من ملاحظات على طرحه، وتقول إنه لا يبدي حماسة لحكومة تكنوسياسية، مع أنه يعود له وحده تظهير موقفه في الوقت المناسب، وكذلك الحال بالنسبة إلى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي»، وليد جنبلاط، الذي يضع الوسط السياسي في حالة من الترقُّب حتى يبادر إلى تحديد موقفه.