لم يعد سراً أنّ طهران قررت إضرام النيران على مختلف الساحات الخاضعة لسطوتها، فوضعت المنطقة برمتها على صفيح ساخن بغية إنضاج “طبخة” مفاوضاتها مع إدارة جو بايدن… وفي لبنان، أتى انقلاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على صيغة الحكومة الاختصاصية ليقطع الشك باليقين، ويؤكد “شبهة” العرقلة الخارجية للتأليف ضمن أجندة تصعيد إيرانية هادفة إلى شبك الملفات والساحات بـ”صاعق” واحد، تملك طهران وحدها قرار تفجيره أو تفكيكه، ربطاً بمجريات “حرب الاستنزاف” التي تخوضها مع واشنطن والغرب، عبر منصاتها العسكرية الممتدة من دمشق إلى صنعاء وصولاً إلى بيروت.
ولأنّ “رشقات الابتهاج” التي أطلقها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عقب إطلالة نصرالله، أكدت المؤكد بأنّ العهد العوني وتياره باتا يتعلقان بـ”قشة” المحور الإيراني لإعادة تعويم نزعتهما السلطوية، تشخص الأبصار اليوم إلى “موقعة” قصر بعبدا لرصد مفاعيل جرعة الدعم التعطيلي التي أعاد من خلالها “حزب الله”، تزخيم “جهاز الممانعة” الحكومية في عروق باسيل، مقابل محاولة البطريرك الماروني بشارة الراعي “تطعيم” اللقاء الثامن عشر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، بـ”لقاح” السيادة الوطنية، محملاً بهذا المعنى، كلاً من عون والحريري، مسؤولية “قلب الطاولة” على الانقلابيين والمعرقلين لغايات “إقليمية” وطموحات “رئاسية”.
ففي سياق واضح لا لُبس فيه، ردّ الراعي في عظة الأحد أمس على نصرالله من دون أن يسميه، بقوله: “كفى إقتراحات جديدة وشروطاً تعجيزية غايتها العرقلة والمماطلة”، مبدياً تمسكه بوجوب تشكيل “حكومة إنقاذ تضم اختصاصيين مستقلين” في إشارة إلى رفض طرح الحكومة السياسية، لأنّ المطلوب في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ لبنان، تشكيل “حكومة مبادئ وطنية لا مساومات سياسية وترضيات” تستطيع أن تشكل جدار فصل “بين مصلحة لبنان وبين مصالح الجماعة السياسية ومصالح الدول”، مع تحذيره في المقابل من أنّ “تأليف حكومة للبنان واللبنانيين فقط لا يستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة، لكن إذا كان البعض يريد تحميل الحكومة العتيدة صراعات المنطقة ولعبة الأمم والسباق إلى رئاسة الجمهورية وتغيير النظام والسيطرة على السلطة والبلاد، فإنها ستزيد الشرخ بين الشعب والسلطة، وستؤدي إلى فوضى لا ترحم أحداً بدءاً بمفتعليها”.
وبانتظار ما سيخرج به لقاء بعبدا المرتقب، لم تُخفِ مصادر مواكبة للملف الحكومي تشاؤمها بقدرة اللقاء على إحداث خرق إيجابي في جدار الأزمة الحكومية، لا سيما وأنّ رئيس الجمهورية “أعد العدّة” اللازمة لتطويق الرئيس المكلف قبيل اجتماعه به، متسلحاً بكلام نصرالله معطوفاً على “تكويعة” رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط باتجاه طريق “التسوية” التي قادته نهاية الأسبوع إلى قصر بعبدا.
لكن، ورغم أنّ المستجدات هذه ساهمت في إحكام الحصار على الحريري، تؤكد المصادر أنه “لا يبدي أي نية بالتراجع عن الصيغة الاختصاصية لحكومته، وسيذهب إلى لقاء بعبدا (اليوم) على أساس استكمال النقاش مع عون من النقطة التي انتهى عندها البحث بينهما في اللقاء الأخير، من دون أي أحكام أو توقعات مسبقة، على أن يبني على الشيء مقتضاه بالاستناد إلى ما سيسمعه من رئيس الجمهورية”.