كتب أحمد الأيوبي في “اللواء”:
بعد الإنذار العنيف الذي وجّهه الأمين العام لـ»حزب الله» حسن نصرالله إلى الطبقة السياسية بضرورة قلب المعادلة الحكومية واعتماد صيغة الحكومة السياسية، باعتبار أن حكومة الاختصاصيين لن تحظى بدعم الأغلبية النيابية، وستسقط في الشارع، سارع النائب وليد جنبلاط إلى التحرك نحو القصر الجمهوري ولقاء الرئيس ميشال عون ليعلن نزع «العقدة الدرزية» من سياق التعقيدات المتوالدة في طريق حكومة الرئيس سعد الحريري.
قال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي: «الأرقام لم تعد مهمة، ونعول فقط على ما تبقى من المبادرة الفرنسية. وصلنا إلى الجمود المطلق وسط الانهيار الاقتصادي، والجوع دق أبواب الناس، والتسوية أصبحت ضرورية ولست مكلفا من أحد لأقول هذا الكلام».
سارع المتابعون إلى اتهام جنبلاط بالانقلاب على سعد الحريري، ونقل عنه البعض استغرابه تمسّك الرئيس المكلّف بتركيبة الاختصاصيين الثمانية عشر، متسائلاً عن سبب هذا الإصرار على الموقف وعدم تليينه، وبالتالي الاستجابة العملية لشروط جبران باسيل، بعد أن بات يتمتع بحاضن علني حاسم، إضافة إلى رئيس الجمهورية، وهو أمين عام «حزب الله».
ربما لم يقرأ الناقدون جيداً خطاب سيد الحزب، ولم يتعمّقوا في مفاعيله الأمنية والسياسية وحتى الاقتصادية. ولو فعلوا لفهموا سرّ التغيير في الموقف الجنبلاطي. فالمعلومات تفيد بأنّ «حزب الله» وجّه إنذاراً أمنياً ساخناً لجميع المعارضين، وأبلغهم بأنّ عليهم الاختيار: إما معنا أو ضدّنا، و«للبحث صلة» واستكمال، حيث يُبنى على الموقف مقتضاه.
لم يكن كلام نصرالله مجرّد «نصيحة» أخلاقية، بل كان إعلان طوارئ يقضي بإعادة صياغة المشهد السياسي وفق احتياجات الحزب الداخلية والخارجية، ولهذا رفض فكرة الحكومة الخالية من التمثيل السياسي، لأنّه لا يريد الخروج من السلطة التنفيذية وفقدان غطاء الشرعية الحكومية بأيّ شكلٍ من الأشكال، كما أنّه لا يريد تكرار نموذج حكومة مصطفى الكاظمي في العراق، حيث بدأت المسافات تبتعد تدريجياً بين الدولة والميليشيات الإيرانية، بل إنّ صدامات عدّة وقعت بين الجانبين.
يطمح جنبلاط إلى تطوير حركة «التسوية» التي باشرها لتشمل تالياَ رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، في وقت بدأت تتسلّل معطيات سياسية تشير إلى أنّ الحزب قرّر ممارسة الحدود القصوى للضغوط الأمنية، وتقديم الحدود العليا من الترغيب والترهيب، فقد وصل الغضب إلى «رأس أنف» سيد الحزب، ولكنه في الوقت نفسه، يعطي من حوله إشارات إلى قرب تحقيق انفتاح روسي صيني كبير على السلطة التي يديرها الحزب، فضلاً عن الدعم الإيراني، الذي بدأ الإعلان عنه، في مجال المحروقات وغيرها.
لم يترك العرب حتى الآن سعد الحريري، ولم يغادروا مساحة النصح له بضرورة الانتباه من الانزلاق إلى حكومة تعطي الغطاء لـ»حزب الله»، فهو عندها سيكون قد سقط في فخٍّ لا مخرج منه، كما أنّ الاستمرار في تعطيل الحكومة سيؤدي إلى فرض عقوبات أوروبية على المشاركين في حفلة «المجون السياسي» الجارية، والاستمرار في التعطيل، وإسقاط بتود المبادرة الفرنسية، التي تلقت الضربة القاضية في كلام نصرالله الأخير.
يوم الإثنين لن يشهد ولادة الحكومة، وكما يقضي «المجتهد الدستوري» الحاكم بأمره، فإنّ حكومة حسان دياب ستعود للحياة، بدون أي تعديل دستوري، وبدون الحاجة للرجوع أصلاً إلى مجلس النواب. فمرشد الجمهورية أفتى بإحيائها وبينه وبين الرئيس نبيه بري، لا حاجة للشكليات.
في خضمّ هذا المشهد الأسود، من هذا العهد الأسود، لم يعد هناك شكّ أنّنا انتقلنا من أزمة حكومية إلى أزمة حكم، ومن حياة سياسية تتمسك بما تبقى من دستور، إلى فرمانات صادرة من حارة حريك، تشوِّه وجه الجمهورية، وترسم بالأحمر خطوط المرحلة المقبلة المليئة بالإفقار والتجويع والمسوِّقة للحرب الأهلية، بعد أن أعلن أحدهم أنّنا في الطريق إلى جهنم.