هو اثنين «الاختبارات المتبادَلة»، بين رئيس الجمهورية ميشال عون، ومن خلفه «حزب الله»، وبين الرئيس المكلف سعد الحريري، اللذين يلتقيان اليوم، على وقع أسئلة كبرى حول مجمل مآل عملية تشكيل الحكومة ومعها الواقع اللبناني الذي وُضع ابتداء من الخميس في «فوهة» جولةٍ أكثر خشونة من «عضّ الأصابع».
فالأنظار تشخص اليوم على اللقاء 18 بين عون والحريري الذي يصادف مع دخول تكليف زعيم «المستقبل» شهره السادس، وسط تَرَقُّب لكيفية تكييف الأخير إدارتَه مسار التأليف مع المتغيّرات المفصلية التي حملتْها الأيام الأربعة الأخيرة، وهل سيكون قادراً على إحداث توازُنٍ ولو سلبي مع ما بدا أنه عملية «إطباقٍ» ممنهجة من تحالف عون – «حزب الله»، على «البروفايل» الذي يعمل عليه منذ أكتوبر على قاعدة «حكومة الـ 18» وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين.
وعشية اللقاء المنتظر لم يَبْدُ أن الحريري في وارد التراجع، أقله حتى الساعة، أمام ما جرى التعاطي معه على أنه «هجوم منسَّق» مزدوج شنّه عون (ليل الأربعاء) و«حزب الله» عبر خطاب أمينه العام السيد حسن نصرالله (ليل الخميس)، وفق «بنك أهداف» يُفْضي بالحدّ الأدنى لتزويد تشكيلة الاختصاصيين غير الحزبيين بـ «أدواتِ تحكُّمٍ» سياسية فاعلة، وبالحدّ الأقصى إلى «ابتلاع» هذه الصيغة لمصلحة حكومة «كاملة الدسم» سياسياً، وكلا الحدّين كمَن «يتجرّع السمّ» في ظلّ دفتر الشروط الدولي الذي حدّد مواصفات الحكومة «القابلة للتسويق» خارجياً كمدخلٍ لرفْد لبنان بالدعم المالي قبل حصول «الارتطام المميت».
ولم يعُد خافياً أن عون سيستقبل الحريري اليوم متقدِّماً عليه بنقاط ثمينة أعقبتْ «إمرار» الرئيس المكلف «الكلام العاصِف» لرئيس الجمهورية الذي «استدعاه» الى القصر الخميس، مخيّراً إياه بين حكومةٍ وفق شروطي أو اعتذِر، قبل أن يرفد «حزب الله» عون بقوة «دفْع رباعي» على قاعدة أن حَبْل التأليف أوّله حكومة اختصاصيين «لن يحميها الحزب من الشارع» وآخِره حكومة سياسية أو تفعيل حكومة تصريف الأعمال أو تعديل الدستور لناحية تقييد الرئيس المكلف بمهلة للتأليف.
وإذا كان الحريري لم يُظْهِر تَراجُعاً، فإنّ الأكيد وفق أوساط سياسية أن رئيس الجمهورية بات في موقع تفاوضي أقوى، مستفيداً من «الإسناد» المتعدد الجبهة الذي مَنَحه إياه «حزب الله»، ناهيك عن «الاختراق» الذي نجح عون بتحقيقه لطوق العزلة من حوله عبر زيارة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط له السبت، داعياً إلى تسوية بمعزل عن الأرقام.
وفي موازاة تَرَقُّب ما سيحمله الحريري إلى بعبدا والذي لا يُتوقَّع أن يكون خارج «صحن الـ 18»، فإن زعيمَ «المستقبل» الذي لاقاه رؤساء الحكومة السابقون بموقفٍ «أسفوا فيه لمخاطبة رئيس الجمهورية الرئيس المكلف عبر بيان متلفز»، منتقدين ما اعتبروه «تعدياً وتشويهاً لروح ونص النصوص الدستورية» وداعين لتشكيل حكومة «بعيداً من التهويل والترهيب ومحاولات السيطرة والتحكم»، سيختبر بدوره إلى أي مدى سيذهب عون في تلقُّف تصعيد نصرالله، وإن لم يكن ممكناً الجزمُ إذا كانت الحكومة السياسية التي وضعها نصرالله على الطاولة صارت «الطبَق الرئيسي» في بعبدا أو أنها ما زالت ورقة ضغط.
وبأي حالٍ وبعدما كانت تسريباتٌ عن قريبين من فريق عون أوحتْ بأن الأزمة الحكومية سترتقي إلى أزمة حُكْمٍ ما لم يحمل الحريري صيغةً جديدة، فإن الأوساط تخشى أن تدخل البلاد – في ضوء تقاطُع كل المعطيات عند عدم إمكان توقُّع انفراج حكومي قريباً – في مرحلةٍ أقسى من «الإنهاكِ» تطبعها الاضطرابات التي تتعدد فتائلها في ظل الانهيار المالي – الاقتصادي والاحتجاجات على وقع ارتفاع سعر الدولار والغلاء «المتوحّش»، ولا سيما بعد التهديدات التي وجّهها نصرالله لقاطعي الطرق والجيش والأجهزة الأمنية والقوى السياسية بحال تجدّد قفل الطرق.
ولم يكن عابراً أمس، الردّ الضمني من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي على مواقف نصرالله وتصويبه غير المباشر أيضاً على رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، بدعوته عون والحريري للخروج بـ «حكومة إنقاذ تضم اختصاصيين مستقلين ووطنيين»، مؤكداً «ننتظرها حكومة مبادئ وطنية لا مساومات سياسية وترضيات على حساب الفاعلية، ونأمل من الرئيسين أن يقيما حائطاً فاصلاً بين مصلحة لبنان ومصالح الجماعة السياسية ومصالح الدول، كفى اقتراحات جديدة وشروط تعجيزية غايتها العرقلة والمماطلة».
وأضاف «ان تأليف حكومة للبنان فقط لا يستغرق أكثر من 24 ساعة. لكن إذا كان البعض يريد تحميل الحكومة العتيدة صراعات المنطقة ولعبة الأمم والسباق إلى رئاسة الجمهورية وتغيير النظام والسيطرة على السلطة والبلاد، فإنها ستزيد الشرخ بين الشعب والسلطة وستؤدي إلى الفوضى».
كما توجّه الى «الدول العربية والغربية الصديقة، كي يساعدوا مادياً وإنسانياً الشعب اللبناني الذي هو ضحية الطبقة السياسية الحاكمة. فليس الشعب اللبناني خصمكم، بل صديقكم. لقد قدّم لبنان الكثير للعربِ وللعالم، فلا يجوز أنْ تجافوه وتقاطعوه وتقاصوه وتربطوا مساعدة الشعب – وأقول الشعب تحديداً – بمصيرِ الحكومةِ أو الرئاسةِ أو السلاحِ غير الشرعي أو أيِ قضيةٍ أخرى. ماذا يستفيد كل أصدقاءِ لبنان وكل العرب وبخاصةٍ عرب الاعتدال والانفتاح، وعرب حوارِ الأديان والحضارات من سقوط لبنان»؟