كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:
«لم يعُد له داعٍ». بهذه العبارة، أسقط القاضي الشرعي في المحكمة الجعفرية الشيخ جعفر كوثراني، مطلع آذار الجاري، حقّ فيرا عقل بحضانة ابنتها جولي (ست سنوات)، بعدما ألغى قرار الحضانة المؤقتة الذي حصلت عليه من المحكمة عام 2019 نتيجة سفر الأب وإقامته خارج البلاد.
المبرّر الذي استند إليه القاضي لحرمان الأم والطفلة من بعضهما بعضاً، هو اتفاقية مصالحة عقدتها عقل مع طليقها عام 2017، قضت بتنازلها عن الحضانة، «بسبب ضغوطات تعرضتُ لها للحصول على الطلاق»، كما قالت، مُشيرةً إلى أن الاتفاقية «سبقت سفر الوالد وترك الطفلة عند بيت جدها وتعرضها لأذى نفسي كبير».
وتمكّنت عقل، نتيجة ظروف سفر طليقها، من الحصول على قرار قضائي صادر عن القاضي في محكمة بعبدا الشرعية الشيخ علي مصطفى حيدر يمنحها حضانة مؤقتة.
ولكن رغم أن اتفاقية المصالحة لم تتضمّن تنازلاً عن الحضانة لغير الأب، على ما ورد في قرار حيدر، إلا أن كوثراني قرر «تجيير» حضانة الطفلة إلى جدها (والد الزوج)، حارماً إياها من العيش مع أحد أبويها اللذين لا يزالان على قيد الحياة. نتيجة لذلك، وفق رواية الأم، «استأثر» الجد بالحضانة ومنعها من رؤية ابنتها ما دفعها إلى استئناف الحكم.
وبعد مناشدات أطلقتها أخيراً، عبر «الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية»، حصلت عقل على أمر رؤية ابنتها لمدة 24 ساعة لمناسبة عيد الأم، «ما يعكس تجاوباً غير معهود ويُشكر عليه القاضي كوثراني»، على ما قالت رئيسة الحملة زينة ابراهيم، لافتةً إلى أن قرار الرؤية هو «من أدنى حقوق الأم التي يحق لها، قانوناً وشرعاً، الحصول على الحضانة الكاملة بعد سفر الأب».
تُضاف هذه القضية إلى «أرشيف» ضخم من قضايا توثق معاناة الأمهات مع قرارات المحكمة الجعفرية. وهي أتت عشية عيد الأم الذي احتفلت به عشرات به على طريقتهن الخاصة، أمام مقر المجلس الإسلامي الشيعي أمس، للتذكير بقضية الأمهات المحرومات من حضانة أطفالهن وللمطالبة بتعديل سن الحضانة وتغيير آلية درس القضايا بشكل يضمن حقوق الطفل أولاً ويراعي سلامته النفسية التي تحتاج إلى حضن أمه ووالده على حد سواء.
جديد المناسبة هذا العام «مبادرة الأمهات» التي أطلقتها الحملة، و«يمكن أن تُشكّل حلاً مبدئياً لما يتعرض له الكثير من الأمهات والأطفال»، وفق ما أبلغت ابراهيم «الأخبار». وأوضحت أن المبادرة «لا تستدعي تغيير فتاوى ولا قوانين. هي بكل بساطة تقوم على اعتماد فتوى المرجع السيد علي السيستاني التي تفيد بأن للمرأة الحق في حضانة طفلها لغاية عمر سبع سنوات (الحضانة الأحوط وجوباً)»، مُشيرةً إلى أن بعض القضاة في لبنان يحكمون على هذا الأساس في مراحل الاستئناف، «ومطلبنا قائم على اعتماده في المحاكم الابتدائية من دون أن تتكلف النساء أتعاب محامين من أجل الاستئناف». كما تتضمن المبادرة مطلب «الحضانة المُشتركة»، على أن يكون حق الرؤية أربعة أيام بدلاً من 24 ساعة، فضلاً عن مطالب أخرى تتمثل بعدم ربط إصدار قرارات الرؤية والنفقة بالطلاق النشوز، «وعليه، تتمكن الأم من الحصول على حق حضانة أطفالها أو رؤيتهم أو حقها في النفقة حتى لو لم يتم تطليقها بشكل قانوني». كذلك تطالب المبادرة بـ«إيجاد حل فوري لنفقة الأطفال في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، كي لا تصبح النفقة وسيلة ضغط على الأمهات للاستغناء عن حضانة أطفالهن»، وبالاعتراف بحق المرأة المتزوجة من رجل آخر في رؤية أطفالها ومبيتهم لديها، على أن تكون الحضانة لصالح الطرف الذي يُقيم في لبنان، «لأنه من غير المسموح أن يُحرم أحد الأطراف من حق رؤية أطفاله بحجة سفر الجهة التي حازت على الحضانة».
الحملة لفتت إلى أن هذه المطالب سبق أن تكرست في «كثير من القرارات القضائية الشرعية التي عكست توجهاً جديداً وجدّياً لإنصاف النساء بعد مسارٍ طويل من الغبن، والمطلوب إرساؤها وتعميمها».
الأمهات في عيدهن: «منبكي بس قوايا»
من يواظب على حضور تحركات «الحملة الوطنية لرفع سن الحضانة لدى الطائفة الشيعية»، سيألف وجوه النساء اللواتي يلبّين الدعوات. بعضهن أخذن على عاتقهن «التفرّغ» للمشاركة في تحركات الحملة التي «تحمل هواجس الأمهات المعرضات دائماً للحرمان من أبنائهن بسبب مزاجية قاضٍ لم يجد من يردعه» على ما قالت إحدى المشاركات.
«شرع أحشائي أقوى من تشريع محكمتكم»، «أمهات الطائفة لن يسامحنكم»، «لن نسمح بتشريع تيتيم أطفالنا ونحن على قيد الحياة»، وغيرها من العبارات خطّتها عشرات النساء على المدخل الحديدي للمجلس فيما دوّنت أخريات أسماء الأمهات اللواتي حُرمن من أبنائهن «كي تبقى عاراً يوصم به كل رجل دين امتنع عن تأدية واجبه في إنصاف الأمهات.
كان مطلب ملبّيات الدعوة واضحاً، وهو التجاوب مع مبادرة الحملة لرفع سن الحضانة تمهيداً لتجنّب الظلم اللاحق بعشرات الأمهات. تقول إحدى المشاركات التي كانت توزّع وروداً على المارة إن عدد المحتجّات لم يؤثر يوماً على عزيمة الناشطات في الحملة التي تشكّل مصدر قوة لهن، ولأن النساء اللواتي يدعمنها أكبر بكثير. وحدها زهراء، الشابة التي حُرمت من حضانة أولادها، اختصرت واقع المنتفضات على واقع الغبن عندما قالت بصوت مخنوق إنها نزلت إلى الشارع، «لأقول لأولادي أنني أريد حضانتهم، لكن الشرع منحني حق رؤية ٢٤ ساعة فقط». «نحنا منبكي بس قوايا»، قالت الشابة، عاكسة وجهاً جديداً للأمهات اللواتي لن ييأسن من السعي لانتزاع حقوقهن.