كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
مرّة جديدة يُثبت الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أنه الآمر الناهي للسلطة في لبنان، يُطل ويأمر ويُهدّد ويخوّن، وتتجنّد السلطة لتنفيذ مندرجات خطابه.
يُصرّ نصرالله على أخذ لبنان إلى المحور الشرقي في وقت يشتدّ الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، ويريد فرض خيار التعامل مع إيران بالقوة غير آبه لما ستحمله هذه الخطوة من ضرر على لبنان، في حين يرفض معظم الشعب اللبناني هذا الخيار، ومن بين الذين يرفضون حصر لبنان بدولة واحدة أحد أبرز رموز 8 آذار رئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهاب الذي أجاب في معرض ردّه على سؤال لماذا تذهب إلى الإمارات فقال: “لتؤمّن لنا إيران شغل عندها نذهب إليها”.
ويأتي خطاب نصرالله في سياق الكباش الحكومي الحاصل، وتمسّك رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل بوزير مسيحي إضافي تحت عنوان “تحصيل حقوق المسيحيين”. قد يكون عون وباسيل على حقّ في تسمية كل مكوّن لوزراء ملّته لأننا نعيش في نظام فدرالي مُقنّع، لكن من يرى في وزير مسيحي إضافي إستعادةً لحقوق المسيحيين، في وقت البلاد بأمسّ الحاجة إلى حكومة هو نفسه يبصم على تخوين نصرالله للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي يحمل لواء الدفاع عن كل لبنان ويُشكّل أعلى مرجعية مسيحية في الشرق، ويُهلّل لتهديد نصرالله لقائد الجيش العماد جوزف عون الذي يشغل أهمّ منصب أمني مسيحي في الشرق أيضاً، ولهجوم عنيف وتهديدي على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يُعتبر أهم منصب مالي مسيحي في الدولة.
وبعد دقائق من إطلاق نصرالله هجومه على الجميع وإصداره أوامر وتهديدات في كل الإتجاهات وعرقلته ملف التأليف وتهجّمه على أهم المرجعيات والمراكز المسيحية في لبنان، أتاه “البصم” من باسيل الذي غرّد قائلاً: “هذا ما ينتظره التيار واللبنانيون، هذا هو المشروع المشترك الذي يمكن ان ينضمّ اليه الجميع، وهذه هي روحية وثيقة التفاهم “المطوّرة” التي يمكنها أن تنقذ البلد وتنهض به الى الأمام بالأفعال، حماية للبنان وحرباً على الفساد”.
وفي السياق، ترى البطريركية المارونية أن حملة تخوين الراعي مستمرّة من الفريق نفسه وأتباعه، وتؤكّد مصادر كنسيّة لـ”نداء الوطن” أن البطريرك الماروني لا يُخوّن بل هو من يُعطي دروساً في الوطنية، وإذا كان أحد الأفرقاء يريد جرّ لبنان إلى سياسة المحاور فإننا لن نسمح لأحد بأن يقضي على هوية البلد، فالراعي متمسّك اليوم أكثر من أي وقت بطرح الحياد ومتأكّد أنه السبيل الأنجح لحلّ أزمتنا، ولا يؤثّر معه لا تهديد ولا وعيد”.
وعن سكوت أطراف مسيحية عن تخوين نصرالله للبطريرك وتأييده لطروحات “حزب الله”، تجيب المصادر: “الله يسامحهم، فإنهم لا يدرون ماذا يفعلون”.
ومن جهة أخرى، تستنكر مصادر روحية مسيحية عبر “نداء الوطن” الطريقة التي خرج بها نصرالله مهدداً قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان والناس الثائرة، وتعتبر أنّ سبب الأزمة سياسات السلطة التي يغطيها نصرالله إن كان بالنسبة إلى الفساد الداخلي أو بالنسبة إلى سياساته الخارجية وزج لبنان في سياسة المحاور، وارتدادات كل هذه السياسات وجلبها الويلات على لبنان.
وتشدّد المصادر على أنّ قائد الجيش وباقي رؤساء الأجهزة يتلقّون كرة نار الشارع ولا يمكنهم قمع الشعب وتلبية أوامر حزبية، فلتصلح الأكثرية الحاكمة الأوضاع وتسهل تأليف حكومة ويسلّم “حزب الله” سلاحه إلى الدولة، عندها لا تعود هناك إحتجاجات، أما المعالجة البوليسية لآلام الناس فمرفوضة.
وبالنسبة إلى حاكم مصرف لبنان، تشير المصادر إلى أن الحاكم هو موظف وكان يعمل تحت امرة السلطة السياسية، أما ضغط نصرالله عليه فليس هدفه خفض سعر الدولار أو معالجة معاناة الناس، بل إستنزاف ما تبقّى من دولارات والإستمرار بسياسة الدعم العشوائية، وذلك من أجل تهريب الدولارات إلى سوريا إضافةً إلى المواد المدعومة، وحرمان الشعب اللبناني من الإستفادة منها، وبالتالي فإن كل هذا التهديد والوعيد لن ينفع مع شعب مُصمّم على استعادة الدولة والتحرّر من حكم الدويلة.
وأمام كل هذه الوقائع، فإنّ باسيل إلتقط “الكرة” التي مرّرها له نصرالله وبات في حكم المعرقل أكثر، لذلك فإن الأجواء الحكومية سوداوية، وكل الشعارات التي تطرح من “إستعادة” حقوق لا أساس لها من الصحة، بل تعني الإستمرار بالتكمش بالسلطة من أجل تأمين المصالح الخاصة وحماية مصالح “الدويلة”.