كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا يقلّل مسؤول بارز معني بمشاورات التأليف من العقد الداخلية التي تحول دون ولادة الحكومة، كما لا تغيب عن باله الاعتبارات الخارجية والاقليمية التي ترفع منسوب الضغوطات والعراقيل، ولو أنّ بعض الدول، ومنها فرنسا وروسيا تحاولان تحييد لبنان عن مخاض المنطقة، والدفع باتجاه قيام حكومة قادرة على تطويق الانهيار الحاصل والشروع في تنفيذ الخطّة الاصلاحية.
ولهذا يختلط المحلي بالخارجي ويجعل من مرور الحكومة من خرم هذه التعقيدات، في هذه اللحظة بالذات، صعباً جداً، بدليل أنّ القوى السياسية اللبنانية تأخذ الإشكال الواقع حول الحكومة، إلى مطارح سطحية جداً، تتصل بطبيعة الوزراء وتصنيفهم، فيما المطلوب التركيز على حقيقة الأزمة المالية – الاقتصادية، والخيارات المطروحة أمام هذه الحكومة للخروج من الأزمة.
إذ إنّ اصرار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري على تأليف حكومة من الاختصاصيين، مقابل سعي خصومه وتحديداً “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” إلى تطعيم هذه الحكومة بوجوه سياسية قادرة على مواجهة الرأي العام بقرارات جريئة، فيه شيء من التبسيط للأزمة التي يعاني منها البلد، والتي هي متعددة الأوجه.
ذلك لأنّ الغطاء السياسي المطلوب لهذه الحكومة أياً يكون تصنيف مكوناتها، هو الأهم، وذلك لحمايتها من الانزلاق ولصدّ الشارع عنها، ولو أنّ التحوّل الذي فرضه “حزب الله” بعد كلام أمينه العام السيد حسن نصرالله يُراد منه تحسين موقع حليفه العوني التفاوضي، خصوصاً وأنّ “الحزب” أوضح موقفه أمام رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري وبأنّه لن يقف حاجزاً أمام حكومة اختصاصيين في حال تمّ التفاهم عليها، وما موقف حركة “أمل” الداعم لموقف الحريري، إلا تأكيد على أنّ هذه الحكومة لا تزال قابلة للحياة.
إلا أنّ أجندة هذه الحكومة، أهم من أسماء الوزراء الذين سيجلسون إلى طاولة الحريري، الذي يفترض به العمل على وضع جدول أعمالها بعناوينه العريضة لخيارات كبيرة عليها حسمها، لكي تتمكن من محاصرة الدولار والعجز في الميزان التجاري، توزيع خسائر الانهيار المالي، تنفيذ الاصلاحات التي سيفرضها صندوق النقد الدولي، واعادة الثقة للمجتمع الدولي بلبنان كما بالقطاع المصرفي.
ولأنّ القوى الممسكة بالقرار السياسي في البلد غير متفقة في ما بينها على هذه العناوين وكيفية التعامل معها، خصوصاً وأنّ صندوق النقد سيفرض انضباطاً في المالية العامة من شأنه أن يقفل باب الهدر السياسي المقونن الذي تستفيد منه الطبقة السياسية، فهي تأخذ الخلاف إلى مكان آخر مختلف كلياً. وها هي تنتقل في سلوكها إلى “الخطة ب”، من خلال الاستفادة من الانهيار، سواء من خلال نسج شبكات أمان اجتماعي وصحي أو أمن ذاتي، واللعب على حبال خلافات “القشور”… بانتظار انتهاء المخاض الاقليمي.
في هذه الاثناء، لا يزال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب ممانعاً للطرح الذي عرضه نصرالله من خلال العمل على تفعيل الحكومة المستقيلة لكي تملأ الفراغ التنفيذي الحاصل. ويبدو أنّ دياب غير متحمس لهذا الخيار ولو أنّ التسريبات التي تلت خطاب نصرالله تحدثت عن توجه لعقد جلسة لمجلس الوزراء لاقرار مشروع موازنة العام 2021، لكونها مسألة ملحة. أمّا غير ذلك، فيصار إلى معالجته على مستوى الوزراء.
وفق مطلعين على موقف دياب، فإنّ الأخير ملتزم بمقتضيات الدستور والقانون الذي يرعى مهلة تصريف الأعمال وحدودها، وهو بالتالي لا يقصّر بواجباته الوطنية أو القانونية، لكنه في المقابل غير مستعد لتجاوز الدستور وتوسيع نطاق عمل حكومة تصريف الأعمال وكأنّها غير مستقيلة.
ووفق المتابعين، لهذه المسألة ثلاثة أوجه:
– وجه دستوري. ففي الداخل اللبناني، انقسام حول صلاحيات الحكومة المستقيلة في تصريف الأعمال بين فريق يعتبر التوسّع في هذه الصلاحيات هو خرق للدستور وبين فريق يرى العكس تماماً. ووحده مجلس النواب له السلطة في معالجة هذا الانقسام من خلال تفسير الدستور، وتحديد العناوين التي يسمح لحكومة تصريف الأعمال بمعالجتها وتدخل في سياق تصريف الأعمال، خصوصاً وأنّ مجلس الوزراء انتهى ككيان فور استقالة الحكومة.
– وجه سياسي يتصل بالقوى السياسية التي يفترض أنها داعمة للحكومة، لجهة تحديد موقفها من هذه المسألة، خصوصاً وأنّ بعضها هو من ساهم بإسقاط الحكومة بعد تخليه عنها.
– وجه عملاني يرتبط بالبنود التي يمكن لحكومة تصريف الأعمال أن تعالجها من خلال مجلس الوزراء، ذلك لأنّه على المستوى الوزاري، فإنّ الوزراء يواصلون عملهم ضمن النطاق المسموح به قانوناً حيث تعمل الحكومة عند السقف الأعلى المتاح.
وعليه، ثمة مجموعة عناوين تندرج تحت سقف الظروف القاهرة من بينها الموازنة العامة، والبطاقة التمويلية التي تسبق ترشيد الدعم. وقد انتهى الوزراء من وضع ملاحظاتهم على مشروع الموازنة العامة لعام 2021 وينتظر أن تنتهي وزارة المال من اعادة صياغة المشروع بعد الأخذ بملاحظات الوزراء، وبالتالي من الممكن أن يدعو دياب في وقت قريب لاقرار المشروع تمهيداً لارساله إلى مجلس النواب.