كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
ما كشفه رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالوثائق بعد لقائه بالأمس رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، إن كان في ما يتعلق بالتشكيلة الوزارية المتكاملة والتي تضمنت أسماء شخصيات غير حزبية ومشهود لها نجاحاتها في مجال اختصاصها والمرتكزة إلى المبادرة الفرنسية والتي سلمها إلى عون منذ مائة يوم، أو بالنسبة إلى الرسالة التي تلقاها منذ يومين من الرئاسة الأولى، لملء جدول معد لتشكيل حكومة بمواصفات تشكّل خرقاً فاضحاً للدستور ولصلاحيات رئيس الحكومة وتجاوزاً لصلاحيات الرئيس المكلف الدستورية التي تنيط به حصراً تشكيل الحكومة وتتعارض كلياً مع المبادرة الفرنسية ومفصلة تفصيلاً على قياس طموحات ومطالب رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل المعروفة بالحصول على الثلث المعطل بالتشكيلة المرتقبة، لا يترك مجالاً للشك بأن كل ما ساقه الفريق الرئاسي منذ تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة وحتى الآن، من اكاذيب وأضاليل للتملص من مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة لا صحة لها على الإطلاق، بل أكثر من ذلك، كل هذه الوقائع تكشف بما لا يترك مجالاً لأي التباس النوايا المبيتة السيئة للرئاسة الأولى، لتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، والانقلاب على المبادرة الفرنسية، خلافاً لكل الادعاءات والمواقف المغايرة لهذا الواقع.
فالتشكيلة الوزارية المتكاملة التي سلمها الرئيس المكلف لرئيس الجمهورية احتجزت بالادراج ولم ترفض أو تقبل رسمياً حسب الدستور ولم يتم التشاور لاجراء تعديلات عليها، لأنها تشكيلة متكاملة شكلا ومضمونا وبقيت معلقة، باعتبار ان رفضها العلني رسمياً، سيكشف حقيقة موقف الرئاسة الأولى الرافضة لتشكيل الحكومة الجديدة، في حين بينت محاولات استفزاز الرئيس المكلف المتتالية، إن كان من خلال نكران تقديم رئيس الجمهورية لأسماء المرشحين لتبوؤ الوزارة من المسيحيين خلافاً للواقع أو الادعاء زوراً بتجاوز دوره في تشكيل الحكومة ومن ثم توزيع شريط الفضيحة الذي يتهم فيه عون رئيس الحكومة المكلف بالكذب، ومروراً بالبيان المقيت الذي دعا فيه الحريري لاستئناف التشاور مع رئيس الجمهورية بعد طول انقطاع والذي لا يليق بمقام رئيس الجمهورية ودوره، لا شكلاً ولا مضموناً، وانتهاء بالرسالة التي وجهت للرئيس المكلف وفيها جدول مقترح لتشكيل الحكومة وتمثل قمّة الانحطاط في التعاطي السياسي غير المسؤول أياً كانت الجهة التي تقف وراءها، أو التي تولت صياغتها، إنما تهدف اما إلى حمل رئيس الحكومة على الاعتذار أو الانصياع إلى الرغبات الدفينة التي تتحكم بالتيار العوني لتجاوز الدستور وصلاحيات رئيس الحكومة وتؤسس لبدع واعراف ما قبل الطائف.
ولكن حسابات الفريق الرئاسي لم تتطابق مع قناعات ومواقف رئيس الحكومة المكلف الذي لم تؤدِ كل محاولات وأساليب تطفيشه واستعدائه وجملة الأكاذيب إلى اعتذاره عن تأليف الحكومة، لأنه مستند إلى تسمية الأكثرية النيابية التي سمته بالاستشارات الملزمة لتشكيل حكومة مهمة استناداً للمبادرة الفرنسية وإلى تأييد من شرائح واسعة من الشعب اللبناني وإلى دعم إقليمي ودولي، كما رفض رفضاً قاطعاً كل محاولات تجاوز الدستور والتعدي على صلاحياته الدستورية بأي أسلوب أو وسيلة كانت، وكانت نتيجة التصرف الرئاسي من خلال هذه الأساليب الملتوية والممجوجة، إنكشاف دورها بتعطيل تشكيل الحكومة امام الرأي العام في الداخل وامام المجتمع الدولي عموماً وتحديداً امام المسؤولين الفرنسيين الحريصين على تسريع تأليف حكومة المهمة الإنقاذية بأسرع وقت ممكن لمباشرة مساعدة لبنان لحل أزماته على اختلافها.
فإذا ما أضيفت وسائل وأساليب تعطيل تشكيل الحكومة الحالية بفعل العراقيل والمطالب التعجيزية للرئاسة الأولى مع المواقف الأخيرة للأمين العام لحزب الله حسن نصر الله التهديدية بأكثر من اتجاه، يمكن استخلاص نتيجة واحدة ان هناك تقاطعاً بين الحليفين لمنع تشكيل الحكومة الجديدة استناداً للمبادرة الفرنسية في الوقت الحاضر.
فهذا الأمر لم يعد استنتاجاً أو تحليلاً، بل واقعاً ملموساً، كل طرف يعطل لحسابات ومصالح خاصة، فالحزب بادر إلى تعطيل مهمة السفير مصطفى أديب لتشكيل حكومة اخصائيين إنقاذية بعد زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد حادث تفجير مرفأ بيروت المأساوي في آب الماضي، والفريق الرئاسي العوني يمعن في تعطيل تشكيل حكومة المهمة برئاسة الرئيس سعد الحريري منذ أشهر.
التناوب على التعطيل أصبح مكشوفاً، كما كان يحصل خلال تعطيل الانتخابات الرئاسية بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان واستغرق قرابة عامين ونصف. الآن، كل محاولات العرقلة والتعطيل مكشوفة، فضحها رئيس الحكومة المكلف بكل وضوح امام الرأي العام المحلي والخارج واسقط الاقنعة المزيفة ولم ينجر إلى أي محاولة للالتفاف على الدستور والقبول بالأمر الواقع تحت أي ظرف كان.
“حزب الله” يتناوب على تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، برغم كل محاولات الادعاء بحرصه على تسهيل تأليفها خلافاً للواقع، تاركاً ورقة الحكومة اللبنانية بيد المفاوض الايراني في الملف النووي مع الولايات المتحدة كسائر الأوراق الأخرى في المنطقة، في حين يحاول الفريق الرئاسي العوني تشكيل حكومة على قياس إعادة تعويم رئيس التيار العوني والنتيجة بقاء لبنان بلا حكومة.