في خضمّ الاتصالات الدبلوماسية المكثفة التي اجراها رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، وهدفُها بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، تبرئة صفحته من تهمة عرقلة عملية تأليف الحكومة والتعدي على صلاحيات الرئيس المكلف، غداة انفجار العلاقة بين الجانبين… في اطار المسعى هذا لغسل يدي “القصر” من تعطيل التشكيل، دعا عون السفير السعودي وليد بخاري الى بعبدا للتباحث معه في التطورات.
التواصل بين بعبدا والرياض ليس الاول من نوعه منذ استفحال الازمة الحكومية. فمنذ اسابيع او ايام قليلة، زار مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي السفارة السعودية حيث استقبله بخاري. وبعد ان اعتذر عن استقبال القناة الناطقة باسم التيار الوطني الحر ضيفا وجّه اتهامات الى المملكة عبر شاشتها، حاول جريصاتي فتح صفحة جديدة مع الرياض، ليس فقط عبر التأكيد ان العهد حريص على افضل العلاقات معها، بل ايضا عبر محاولة اللعب على وتر “الفتور” المشترك، بين الجانبين، في علاقتهما مع الرئيس المكلّف، علّه يقنع الرياض بتكثيف عملية عزل الحريري سعوديا وعربيا، فيعتذر… هذا المخطط أحبطه سريعا بخاري، وأكد ان التكليف والتأليف شأن سيادي لبناني صرف.
والسيناريو عينه، تكرّر، بحسب المصادر. فاذا كان عون أراد من دعوة بخاري الى القصر، انتزاعَ موقف سعودي داعم لتوجّهات الرئاسة الاولى، او موقف يدل الى اقتناعه بما تفعله الاخيرة، او الحصول على ما يشبه “براءة ذمّة” من السعودية، فإن رهان عون هذا خاب وبقوّة. فالدبلوماسي المُقِلّ في الكلام، قرّر هذه المرة، التصريح من بعبدا، عبر بيان مكتوب، ليعلن بعد لقائه رئيس الجمهورية الثوابت السعودية المعروفة: هي داعمة للشعب اللبناني، وتحترم استقلال وسيادة لبنان، وتريد حكومة قادرة على تحقيق الاصلاحات تلاقي تطلعات اللبنانيين، لكنّها ايضا تتمسك بالطائف وبالقرارات الدولية. وهنا بيت القصيد، ومفتاحُ اي “تطبيع” جديد للعلاقات بين المملكة ولبنان – الدولة.
وقال بخاري في السياق “سيادة لبنان إنجاز تاريخي تحقق عبر نضالات الشعب اللبناني الشقيق، ونحن نحترم هذه السيادة. كما أكدت لفخامته بأن الموقف السعودي يشدد على إلتزام المملكة بسيادة لبنان واستقلاله ووحدة اراضيه. وبشكل خاص على ضرورة الاسراع بتأليف حكومة قادرة على تلبية ما يتطلع اليه الشعب اللبناني من امن واستقرار ورخاء. كما ندعو جميع الافرقاء السياسيين في لبنان الى تغليب المصلحة الوطنية العليا من منطلق الحاجة الملحّة للشروع الفوري بتنفيذ اصلاحات جذرية تعيد ثقة المجتمع الدولي بلبنان. كما نؤكد دوماً على اهمية مضامين قرارات مجلس الامن 1701 ، 1680 و1559 والقرارات العربية والدولية ذات الصلة من اجل الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته. ونشدد بأن اتفاق الطائف هو المؤتمن على الوحدة الوطنية وعلى السلم الاهلي في لبنان”.
وليُكمل إسقاط مخطط الرئاسة الاولى لتصوير المملكة في خندقها، أعاد بخاري اليوم نشر خبر عبر صفحته الرسمية على تويتر يفيد ان زيارته بعبدا “جاءت بعد 3 نداءات ملحّة ومتكررة من القصر”.
وبعد، واذ تشير الى ان الطائف والقرارات المذكورة، جوهرُها قيام دولة حقيقية بجيش واحد لا اثنين، تُمسك بقرار الحرب والسلم وتحترم سيادة جيرانها ولا ترسل اليهم المقاتلين، تلفت المصادر الى ان كلام بخاري المباشر والصريح، يمكن ان يختصر بالاتي: مهما حاول العهد استرضاءنا، وسواء اكان الحريري او سواه رئيسا للحكومة، فإن العودة السعودية والخليجية “الحقيقية” الى بيروت، مالا وسياحة واستثمارات وتعاونا، لن تتحقق الا اذا انتفضت الدولة لكرامتها وتحررت الشرعية من خاطفيها.. فهل فهم المعنيون الرسالة؟!