كتب أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”:
مَنْ منّا لا يواجه مشاكل في ذاكرته في هذه الأيام العصيبة التي يمر بها البلد أجمع؟ كم من المرات نفقد غرضاً ما وضعناه في مكان معين؟ وكم من المرات خاصة بعد جائحة كورونا والمشاكل الإقتصادية والسياسية في البلاد نسينا بعضاً من مسؤولياتنا؟ ولم يقتصر النسيان فقط على فئة عمرية معينة بل في الآونة الأخيرة لاحظ الأهل مشاكل جمة في الذاكرة عند أطفالهم الصغار أيضاً. وللتحدث عن هذا الموضوع، أجرت «الجمهورية» مقابلة مع الأخصائية في التأهيل النفسي-الحركي وفي المتابعة النفس-جسدية والمتخصصة في علم الأعصاب الآنسة سيلين فرنجية.
الذاكرة هي القدرة على تخزين المعلومات المكتسبة من التجربة واسترداد هذه المعلومات إمّا بالوعي أو باللاوعي. بدونها، سيتواجد خلل في العديد من الوظائف الذهنية. تتطور الذاكرة عند الأطفال مع نضوج الدماغ. بالتالي، مع التقدم في السن، يكون الطفل قادرا على الاحتفاظ بعدد أكثر من العناصر ولمدّة أطول. وبالفعل يحفظ الطفل صوت ووجه والديه منذ أيام حياته الأولى. وشيئًا فشيئًا، يصبح قادرًا على حفظ أغنية وسلسلة من إجراءات متتالية تسمح له بتعلم مهارات جديدة كالمشي وركوب الدراجة.
ما هي أنواع الذاكرة عند الإنسان؟
تفسّر لنا الأخصائية في التأهيل النفسي الحركي الآنسة فرنجية بأنّ هناك أنواع مختلفة من الذاكرة وكل واحدة من هذه الانواع تستخدم بحسب النشاط المطلوب. ويمكن التحدث عن هذه الأنواع:
– الذاكرة قصيرة المدى التي تسمح بتخزين معلومات لبضع دقائق فقط. نستطيع من خلالها حفظ بين 5 عناصر و9.
– الذاكرة طويلة المدى تسمح لنا بتخزين المعلومات لفترة زمنية طويلة، أي من بضع ساعات لمدى الحياة.
– الذاكرة الفورية التي تسمح باستعادة سلسلة من العناصر اللفظية متل الارقام والأعداد.
– الذاكرة العاملة وهي أهم أنواع الذاكرة، تسمح لنا بتخزين المعلومات المتاحة بشكل مؤقت بهدف فهمها ومعالجتها واسترجاع هذه المعلومات أخيراً من الذاكرة الطويلة المدى لإتمام المهام المطلوبة.
ذاكرة البنات وذاكرة الصبيان
تضيف الأخصائية في المتابعة النفس-جسدية الآنسة سيلين فرنجية أن هناك اختلافا خفيفا بقدرة التذكر ما بين الصبيان والبنات، حيث أجريت دراسات عديدة على أولاد ترواحت أعمارهم بين 6 سنوات و12، فأظهرت النتائج أنّ الفتيات يتفوّقن على الفتيان من نفس الفئة العمرية في كل ما يتعلق بالذاكرة وهذا ينطبق بشكل خاص على الذاكرة اللفظية. ويمكن تفسير ذلك بسبب وجود مستويات من هورمون يسمى «إستراديول»، وهو أحد مشتقات هورمون «الأستروجين» الذي يؤثر على التعلم والتذكر، وهو متواجد عند النساء أكثر من الرجال. كما يمكن أن تظهر بعض الاسباب النفسية التي تؤثر تأثيراً مباشراً على عمل الذاكرة. فطبعاً، القلق المعمّم والشعور الدائم بالخوف والحزن ناهيك عن الإكتئاب… وغيرها من الإضطرابات النفسية يمكن أن تؤثر على مردود الذاكرة عند الأطفال.
الذاكرة عند أطفالنا في أيام كورونا
بالنسبة لعمل الذاكرة خلال انتشار جائحة كورونا في لبنان، تفسّر الآنسة سيلين فرنجية أنه “بسبب كوفيد-19 تغير أسلوب حياتنا اليومية على عدة أصعدة منها الصعيد المهني، العائلي، والتعليم، والذاكرة تلعب دوراً أساسياً خلال التعلم إن كان داخل الصف أو خلال التعلم عن بُعد”.
وتضيف الأخصائية في التأهيل النفسي-الحركي أنّ هناك إرشادات أساسية يمكن أن يتبعها الأهل في المنزل لتسهيل عملية الحفظ عند اولادنا ولتقوية الذاكرة عندهم:
– إختيار الوقت المناسب للحفظ وتقسيم الدروس بين راحة وتدريس.
– الإستعانة بالالوان والرسم لخلق صورة ذهنية عند الولد ومساعدته على تخزين المفاهيم المهمة بطريقة أسرع.
– الاعتماد على الحواس وليس فقط على القراءة والتكرار.
– إعتماد أسلوب التشجيع والمدح خلال عملية حفظ المفاهيم المطلوبة.
– الإبتعاد عن أسلوب التهديد.
– تحضير الدروس مسبقاً لتجنب تراكم الدروس، وبالتالي عدم قدرة الولد على استيعاب مفاهيم كثيرة وتخزينها.
– إعتماد التكرار لتثبيت المفاهيم بالذاكرة الطويلة المدى.
– تهيئة جو مناسب للمذاكرة في البيت والتخلص من جميع مصادر تشتيت الإنتباه.
– تلخيص الدرس واستخراج الأجزاء المهمة للحفظ».
دور الأخصائي النفسي-الحركي؟
وتنهي الأخصائية في التأهيل النفسي-الحركي والمتابعة النفس-جسدية الآنسة سيلين فرنجية قائلة إنه «في بعض الأحيان الإرشادات المنزلية ليست كافية عند بعض الأولاد. لذلك من الافضل التوجه عند اختصاصيين لمعرفة السبب. وفي غالبية الوقت نلاحظ أن الولد لا يلجأ لطرق فعالة تسهل عليه عملية الحفظ. وفي هذه الحالة يمكن متابعة جلسات في التأهيل النفسي-الحركي تهدف إلى تعزيز قدرات الذاكرة عند الاولاد. فالأخصائي بالتأهيل النفسي-الحركي ينمّي هذه المهارات من خلال ألعاب تهدف لمساعدته على اكتساب طرق فعالة لتخزين مختلف المعلومات. كما يمكن تطبيق تمارين في المنزل مع الأهل لتنمية قدرات الحفظ والاستذكار عند الاولاد. وعلى سبيل المثال نذكر التمارين التالية:
أولاً، إخفاء اغراض منزلية في مختلف الغرف والطلب من الولد تعداد الاغراض المخبأة ومكان تواجد كل منها.
ثانياً، حفظ سلسلة من الكلمات في الصباح الباكر وإسترجاع الكلمات بحسب التسلسل الصحيح خلال فترة بعض الظهر.
ثالثاً، إستعمال صور أو أوراق تتضمن حروفا أو كلمات ووضعها بتسلسل معين وبعد مرور فترة قصيرة من الوقت، الطلب من الولد وضع الصور بنفس التسلسل السابق.
رابعاً، إختيار حرف معين والطلب من الولد استذكار كلمات تبدأ بهذا الحرف خلال فترة زمنية محددة».