كتب عيسى يحيى في صحيفة نداء الوطن:
يكاد يكلّف البحث عن المواد المدعومة المواطنين أرواحهم، حيث أصبحت المحال التجارية أشبه بساحات حرب، التدافع بينهم على أشدّه للوصول إلى غالون زيت، ليخرج حامله من الزحمة خروج المنتصر داعياً للمنتظرين بأن يفرّج الله همّهم ويعودون إلى أولادهم بكيس أرز أو سكر يكفيهم لأيامٍ قليلة.
انتقلت عدوى طوابير إذلال المواطنين أمام السوبرماركت والزحمة الخانقة للحصول على المواد المدعومة إلى مدينة بعلبك، وأظهرت معها هشاشة الوضع الإقتصادي الذي يعيشه الناس، في بلدٍ لا يكلّف المسؤولون أنفسهم عناء البحث عن مخارج للأزمة الراهنة تحفظ لأبناء شعبهم كرامتهم، وتظهر معها فجور التجّار الذين يكدّسون المواد في مخازنهم لتحقيق أرباحٍ خيالية على حساب وجع الناس وجيوبهم الفارغة من الأموال أصلاً.
منذ أكثر من أسبوعين أقفلت تعاونية النور في بعلبك بالشمع الأحمر بعد اكتشاف الكميات الكبيرة من المواد المدعومة مخزّنة فيها، وهي كانت المرة الأولى والأخيرة التي تقفل فيها سوبرماركت تخزّن المدعوم وتمنعه عن الناس، فيما باقي المحال تنفي وجود بضائع مدعومة لديها، ومن يتواجد عنده يبيع لساعات معدودة ويدّعي نفاد الكميات ليعيش المواطنون على أمل وصول دفعات لاحقة، ويقصدون المحال بشكل يومي للسؤال عن وصول المدعوم.
ومع الإرتفاع الجنوني للأسعار وعدم قدرة الناس على الشراء، جاء خبر إعادة فتح تعاونية النور صباح الأربعاء كالضوء المنبعث من ظلام، ومع إنتشار الخبر مساء الثلثاء بدأ أهالي المدينة بإخبار بعضهم البعض علّهم يحصلون على حصّة من المواد التي كانت مخبّأة. ومع ساعات الصباح بدأت طوابير المواطنين بالتجمّع أمام مدخل السوبرماركت قبل فتح أبوابها، حيث امتدّت قوافل السيارات إلى مئات الأمتار على جانبي الطريق الرئيسية وحول مبنى التعاونية، ليختلط الحابل بالنابل مع بدء بيع المواد المدعومة وأهمّها الزيت.
أفواج أفواج دخلت للشراء حيث عَلاَ صراخ الموظفين طالبين من الناس التروّي للحصول على ما يلزم، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالكلّ يخاف من أن تنفد الكمّية قبل وصول دوره. ومع إشتداد الزحمة وصلت دورية من الجيش اللبناني وتمركزت أمام التعاونية تحسّباً لأي طارئ أو إشكال. “الداخل مفقود والخارج مولود”، بهذه الكلمات يصف سائق التاكسي محمد الزكرى الوضع قائلاً لـ”نداء الوطن”: “الناس كادت أن تختنق من الزحمة، ولكننا مضطرون لانتظار دورنا، وأنا إنتظرت لأكثر من ثلاث ساعات للحصول على غالون زيت 4 ليتر بـ 38 ألف ليرة لبنانية، فيما سعره وصل إلى 100 ألف في المحال، والفرق أشتري به حاجات أخرى لعائلتي، لدي ثلاثة أولاد ووالدتهم ونحتاج يومياً إلى ربطتي خبز وغالون مازوت وطبخة “ع قدّ الحال”، وفي حسبة بسيطة أحتاج يومياً إلى 50 ألف ليرة، ومع إرتفاع سعر الخبز لا نعرف ماذا ينتظرنا بعد”.
بدورها، خرجت أم حسين من التعاونية وهي تحمل غالونين وكيس حليب والإبتسامة على وجهها، فالفرحة تكاد لا تصدق لتسألها أخرى عن كيفية حصولها على الكمية فتردّ:”بالقوة أخدتن، ما حدا أهمّ من ولادي”. حال الخمسينية أم حسين يشبه حال الكثيرين ممن إنتظروا حتى ساعات ما بعد الظهر، فيما تذاكى البعض الآخر فاشترى ووضع المشتريات في السيارة ليعاود الدخول علّه يحصل على كمية أخرى، فالفرصة المتاحة الآن قد لا تتكرّر.
وعلى المقلب الآخر، نفّذ عدد من الشبان تحت إسم “المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” وقفة إحتجاجية أمام مبنى محافظة بعلبك ـ الهرمل تنديداً بالأوضاع المعيشية الصعبة، رافعين شعارات مطلبية ومطالبين بإستعادة الأموال المنهوبة ومحاكمة الفاسدين.