كتبت صحيفة نداء الوطن:
بخلاف ما يحاول جاهداً محور الممانعة تظهيره من صلابة وانتصارات وفتوحات مترامية في المنطقة، لم تعد خافية المؤشرات الدالة على عمق الأزمات التي يكابدها هذا المحور على امتداد الإقليم، حيث يتكرر المشهد نفسه في مختلف الساحات الواقعة تحت سطوته، إفلاساً وجوعاً وانهيارات متدحرجة، اقتصادياً ومعيشياً ومالياً، من طهران إلى صنعاء ودمشق وبيروت… إلى درجة بلغ معها “حزب الله” مرحلة مشهودة من العجز والتخبط على مستوى إدارة الأزمة الطاحنة التي تتهدد ركائز سلطته في لبنان.
عملياً، لا يزال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله “مايسترو” المنظومة الحاكمة بلا منازع، ولا تزال ترسانة سلاحه الضابط الأكبر لإيقاع هذه المنظومة، لكن مع تعاظم حجم الاهتراء الضارب في البنية التحتية لأرضية حكمه، بدأت علامات التضعضع تتجلى على “غرفة التحكم والسيطرة” التي يديرها في البلاد، فلم يعد “وهج السلاح” قادراً على رصّ الحلفاء في نظام مرصوص… كما حصل حيال إطلالة حسن نصرالله الأخيرة التي سرعان ما ذبل زرعها فحصدت خيبة “أمل” في عين التينة مع انتفاضة الرئيس نبيه بري لمكانته، رافضاً سياسة “الإملاء” عليه في الملف الحكومي و”التعليم” عليه في قضية حاكم المصرف المركزي، وصولاً بالأمس إلى “تمرّد” رئيس حكومة 8 آذار حسان دياب على تعليمات نصرالله بإعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال.
فعلى قاعدة “مين باعك بيعو”، رأت مصادر سياسية أنّ دياب “لم يفوّت الفرصة في رد الصاع صاعين لقوى الثامن من آذار التي تخلت عنه بعد انفجار المرفأ، وقد وجد في ورقة “تصريف الأعمال” ضالته المنشودة، فكانت ورقته الرابحة للتقرّب من نادي رؤساء الحكومات والبيئة السنية عموماً، وللانتقام في الوقت عينه من قوى السلطة التي باعته وحكومته بثمن سياسي بخس واليوم عادت لتطالبه بإعادة تعويمها”، لافتةً إلى أنّ جواب رئيس حكومة تصريف الأعمال أمس أتى رداً غير مباشر على نصرالله ليقول له ما مفاده: “حلّوا مشاكلكم بعيد عنّي”، معيداً الكرة إلى ملعب الأكثرية النيابية بتشديده على أنّ “المشكلة بالتأليف وليس بالتصريف”، وعلى وجوب الاستحصال من مجلس النواب على “تفسير دستوري يحدد سقف تصريف الأعمال ودور الحكومة المستقيلة في ظل الواقع الناتج عن تأخر تشكيل حكومة جديدة”.
وفي الغضون، تتزايد تشققات “التفليسة” على أرضية الطبقة الحاكمة، وآخر عوارضها خلال الساعات الأخيرة “فبركة” كلام منسوب للسفير السعودي وليد بخاري خلال لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، في سياق حوار “هزليّ هزيل” لم يجد أمامه بخاري ما يرقى لنفيه أكثر من “إعادة تغريدة” تدحض التسريبات العونية، ما أحرج دوائر الرئاسة الأولى واضطرها إلى نفي تسريباتها المفبركة بنفسها مساءً عبر شاشة “أو تي في” على لسان أحد أعضاء تكتل “لبنان القوي” النائب جورج عطالله.
ومقابل هذا المستوى الفضائحي والركيك الذي بلغه العهد في إدارة دفّة الجمهورية في ظل أداء رئاسي يمعن في إغراق البلد أكثر فأكثر في مستنقع الفشل والعجز والتبعية للوصاية الإيرانية، تحوّلت بكركي إلى أشبه بمحجة للقوى السيادية والسياسية من مختلف الطوائف والمذاهب باعتبار الصرح البطريركي أصبح يمثل “مقرّ الموقف الوطني الصلب، شبه الوحيد الباقي الذي يعبّر عن شرعية لبنان واستقلاله وسيادته وحرية اللبنانيين”، كما عبّر النائب نهاد المشنوق إثر لقائه البطريرك بشارة الراعي، داعياً إلى “تجمّع القوى السياسية الجديدة والقديمة للوقوف إلى جانب مبادرة البطريرك، في ما يتعلّق بمسألتي الحياد والمؤتمر الدولي، لأنه الخيار الوحيد أمامنا، لتحرير لبنان من الإحتلال السياسي الإيراني”، مع التشديد على أنّ الراعي هو “بطريرك الاستقلال الثالث” وهو كان “دقيقاً جداً حين حدّد الاستراتيجية الدفاعية كمخرج وحيد” للأزمات التي يعيشها البلد.