كتبت كلير شكر في صحيفة نداء الوطن:
لم يعتقد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أنّ زيارته إلى قصر بعبدا يوم السبت الماضي للقاء رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد الرسالة الإيجابية التي وجهها عبر مقابلته لصحيفة “الأنباء” الالكترونية، قد تثير استياء رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، خصوصاً وأنّ الرجلين سبق وناقشا في أكثر من لقاء ثنائي بينهما، في المخاوف التي يبديها جنبلاط من التطورات الدراماتيكية، ويعرف الحريري جيداً أنّ جنبلاط يعزف في هذه الأيام على وتر وحيد: التسوية.
في الوقائع، يتبيّن أنّ جنبلاط، وفي اللقاء الذي جمعه برئيس الحكومة المكلف، على أثر الكشف عن مبادرة مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم، حاول استيضاح الحريري طبيعة خطوته المقبلة، خصوصاً وأنّ رئيس “الاشتراكي” سبق له في بداية العام أن “نصح” الحريري بالاعتذار لكونه كان مقتنعاً أنّ المساكنة بين الأخير ورئيس الجمهورية شبه مستحيلة.
يومها قال جنبلاط “هذه نصيحتي بالأساس لكنها غير ملزمة فهو عليه أن يقرر، هم لا يريدونه، جربها في الماضي لمدة 3 سنوات ولم نستطع القيام بشيء ولا حتى تغيير موظف واحد في شركة الكهرباء، ولم نستطع القيام بالإصلاح المطلوب الأساسي الذي طالبت به فرنسا وهو موضوع الطاقة، لم نقم بشيء”. بعدها بأيام قليلة وصف جنبلاط عون، بأنه “عبثي يريد الانتحار”، قائلاً: “فلينتحر وحده هو والغرف السوداء والصهر الكريم”.
ولهذا سأل جنبلاط مضيفه الذي لم يهضم نصيحة “الاعتذار”، عما سيفعله لمواجهة الأزمة، فكان ردّه بأنه بحاجة إلى مزيد من الوقت. وبالفعل استقل رئيس الحكومة المكلف طائرته ليجول على دول المنطقة، إلى حين حمله “بساط الريح” للقاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الإمارات في 9 آذار الفائت. على أثرها قصد زعيم المختارة بيت الوسط للقاء الحريري من جديد، وذلك في 15 آذار الماضي.
في تلك الجلسة، بدا الحريري غير مستعجل لحسم خطواته، خصوصاً وأن ما سمعه من وزير الخارجية الروسي لا يحمله على تكثيف الخطوات، لا بل يتردد أن لافروف دعاه ليكون “صبوراً”، ما يعني “على اللبناني” عدم الاستعجال في تغيير استراتيجيته في التعاطي مع الفريق العوني الذي بدا أكثر تمسكاً بمطالبه. ومع ذلك، كان موقف جنبلاط ميالاً إلى تقطيع الوقت بأقل خسائر ممكنة خصوصاً وأنّ كل يوم خسارة يكلف البلد أثماناً باهظة، وثمة مخاوف كبيرة من ارتفاع منسوب التوتر الأمني.
في تلك الجلسة، لم يتردد جنبلاط في مفاتحة الحريري بضرورة ابتكار صيغة لا غالب فيها ولا مغلوب ومن شأنها أن تساعد على ولادة حكومة قادرة على مواجهة التحديات التي باتت أصعب وأكثر خطورة خصوصاً اذا ما صدقت التقديرات بأنّ أي تقاطع اقليمي على الملف اللبناني قد لا يحصل قبل شهر حزيران المقبل فيما الوضع الداخلي بلغ مراحل متقدمة من الانهيار وقد لا ينتظر أسابيع، فكيف بالحري أشهراً؟
يومها عرض جنبلاط فكرة توسيع الحكومة لتكون من 24 وزيراً على أن يكون للفريق العوني فيها ثمانية وزراء، وبالتالي يكون رئيس الجمهورية قد نجح في تحقيق مطلب توسيع الحكومة خصوصاً وأنّ جنبلاط حيّد العقدة الدرزية من خلال عدم ممانعته في مشاركة طلال ارسلان في الحكومة، مقابل نجاح الحريري في منع الثلث المعطّل عن أي فريق.
حينها، ترك رئيس “الحزب التقدمي” الطرح عند الحريري، اعتقاداً منه أنّ الأخير سيفكّر به ملياً قبل أن يعطي جواباً عليه. وحين تأخر الجواب رماه الزعيم الدرزي في سوق التداول السياسي مرفقاً بسلّة رسائل ايجابية تقصّد جنبلاط توجيهها في كل الاتجاهات، وتحديداً ناحية العونيين و”حزب الله”، ربطاً بالمخاوف من تطورات ميدانية قد يفرضها الشارع وتزيد من حدّة الوضع وخطورته.
وهذا ما استدعى تحديد موعد في قصر بعبدا حيث عرض جنبلاط صيغة الـ24 وزيراً التي لم تلاق ردّاً ايجابياً أو سلبياً من رئيس الجمهورية، وقد حرص جنبلاط على التأكيد أنه لا يحمل مبادرة وأنّ هذا الطرح قد ينتهي في هذه اللحظة إلّا اذا رغب أصحاب العلاقة في الاستثمار فيه.
ولهذا لم يفهم رئيس “الحزب التقدمي” أسباب انزعاج الحريري من اللقاء في بعبدا خصوصاً وأنّه على اطلاع مسبق على هذا الطرح، وهذا ما سعى الوزيران السابقان غازي العريضي ووائل أبو فاعور إلى شرحه. كما أنّه لا يوافق على الأسلوب الذي استخدمته رئاسة الجمهورية في مخاطبة رئيس حكومة مكلف (الكتاب الليلي)، وكان يفضل لو أن الحريري استفاد من الأخطاء التي حصلت خلال الـ 150 يوماً من التكليف وتمكن من تأليف الحكومة، خصوصاً وأن كل يوم اضافي يزيد الأعباء والأكلاف.
بالنتيجة، لا يزال جنبلاط على موقفه: التسوية ثم التسوية… ولعل ذلك لكونه من العارفين أن هذه التسوية آتية لا محال، وجلّ ما يحاول فعله هو التوطئة لها.