ترأس البطريرك الكردينال مار بشارة بطرس الراعي قداس عيد بشارة العذراء في كنيسة الصرح في بكركي.
وقال، في عظته: “لقد اخترت، يوم إنتخابي في 15 آذار 2011، شعارًا أملاه عليّ الجوّ الذي تمّت فيه عمليّة الإنتخاب، وهو: شركة ومحبّة. الشركة كإتحادٍ عاموديّ مع الله، ووحدةٍ أفقيّة مع جميع الناس. والمحبّة كلحمة تشدّ عرى الشركة ببعديها العاموديّ والأفقيّ. على هذا الأساس قمت بخدمتي بكلّ إستعداد ونيّة حسنة. ولكنّ الكمال عند الله، والخطأ يقع فيه الجميع عن قصد أو عن غير قصد. فيؤسفني أن تكون الشركة والمحبّة قد جُرحتا مع الله ومع هذا أو ذاك من الأشخاص أو الجماعة. فهي مناسبة لطلب المغفرة. ولهذا أقدّمها ذبيحة استغفار”.
وأضاف: “إنّي بروح “الشركة والمحبّة” حفظت العلاقة الطيّبة مع الجميع في بلادنا، وقد قلّدوني جميلًا لا أنساه بحضورهم الإحتفال بتوليتي في 25 آذار 2011. وقمت بالزيارات الراعويّة إلى جميع الأبرشيّات في لبنان والنطاق البطريركيّ، ما عدا أبرشيّة حلب العزيزة بداعي انقطاع الطرقات بنيران الحرب، وإلى جميع أبرشيّات الإنتشار. ويسعدني أن أقدّم لكم اليوم الجزء الأوّل من زياراتي الراعويّة في سنتي 2011 و2012 إلى بلدان الإنتشار. كانت العادة أن أقدّم في مثل هذا اليوم رسالة عامّة راعويّة، وكانت الأخيرة في العام الماضي بعنوان: “الميثاق التربوي الوطني الشامل: شرعة الأجيال اللبنانيّة الجديدة”. لكنّي رأيت من الضرورة إعطاءها المزيد من الوقت لإنتشارها وتطبيقها. فأكتفي بإعلان هذا الجزء الأوّل من زياراتي الراعويّة إلى أبرشيّات الإنتشار وتوزيعه. وفي المناسبة أشكر مكتبنا الإعلاميّ الذي جمع الأوراق والأحداث، بإدارة المحامي وليد غيّاض، والسيّد جورج عرب الذي حقّق المجموعة والمحامي بول يوسف كنعان الذي إعتنى بالإصدار. كافأهم الله جميعًا بفيض من نعمه”.
وتابع” “اتخذ شعار “شركة ومحبّة” بعدًا إجتماعيًّا وإنسانيًّا، من جرّاء الأزمة الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة الخانقة. فكانت البطريركيّة والأبرشيّات والرهبانيّات والمؤسّسات التابعة لها حاضرة لمساعدة العائلات والأفراد في حاجاتهم المتنوّعة. وفي بداية العام الماضي، على إثر انفجار مرفأ بيروت، والأزمة الحكوميّة، واشتداد الأزمة الإقتصاديّة والنقديّة، أسّسنا، بتنظيمٍ من المركز المارونيّ للتوثيق والأبحاث، هيئة طوارئ تنسيقيّة باسم “الكرمة”. شارك في هذا التأسيس البطريركيّة والأبرشيّات والرهبانيّات والمنظّمات والهيئات الخيريّة والإنسانيّة، وعلى رأسها كاريتاس لبنان التي وضعت إحصاءتها وأقاليمها ومراكزها في هذه الخدمة، وعزّزت برامجها بحيث غطّت خدمة المحبّة الإجتماعيّة كلّ الأراضي اللبنانيّة بالتعاون مع الأبرشيّات والرعايا. وتأسّست منظمّة Solidarity بالتعاون بين المؤسّسة المارونيّة للإنتشار والرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة ومؤسّسة جيلبير وروز شاغوري، وهي تجمع المساعدات وتوزعها مشكورة في كلّ المناطق متّخذة أديار الرهبانيّة مراكز للتوزيع. وتجدر الإشارة إلى ما تقوم به “المؤسّسة البطريركيّة العالميّة للإنماء الشامل” التي أخذت على عاتقها ترميم كنيسة مار ميخايل قرب المرفأ وشارع مار مخايل، بالإضافة إلى بطاقات التموين لأكثر من ألف عائلة، وهي على تزايد. كما نذكر أيضًا المساهمات التي تقدّمها “الرابطة المارونيّة” في مختلف المبادرات”.
وأردف: |ذكرنا هنا ما يدخل في إطار مؤسّسات كنيستنا المارونيّة حصرًا. لكنّني أذكر معكم بالشكر والتقدير المؤسّسات الإنسانيّة الأخرى، وبخاصّة رابطة كاريتاس لبنان، جهاز الكنيسة الإجتماعيّ الرسمي في لبنان، والبعثة البابويّة، والصليب الأحمر، والعديد من أمثالها، يضيق الوقت لتعدادها كلّها. ولا ننسى المحسنين الإفراديين والمتطوّعين، شبيبة واختصاصيّين. ومعكم نوجّه الشكر للدول التي سارعت إلى مدّ يد المساعدة للأشخاص والمؤسّسات المتضرّرين من إنفجار مرفأ بيروت، ونرجو إستمراريّتها مشكورةً”.
وقال: “الآن والأزمة السياسيّة وتداعياتها الإقتصاديّة والماليّة والمعيشيّة تشتدّ أكثر فأكثر، ترانا أمام واجب إستنباط طرق إضافيّة لمساعدة شعبنا الجائع والمحروم من المال والدخل والخبز والمواد الغذائيّة والأدوية. فالأوضاع لا تحتمل التأجيل، وخدمة المحبّة تقتضي تنظيمًا أوسع. وبروح “الشركة والمحبّة”، تعاطينا الشأن الوطنيّ، وحملنا قضيّة لبنان في زياراتنا الراعويّة الداخليّة والخارجيّة، مطالبين بتحييد لبنان عن الصراعات والحروب الدائرة في منطقة الشرق الأوسط، وقد أحدثت في الداخل اللبنانيّ إنقسامًا سياسيًّا أدّى إلى تأخير الإنتخابات النيابيّة وتعطيل الإنتخابات الرئاسيّة سنتين ونصفًا، وتعليق العمل بالدستور، وشلّ المؤسّسات الرسميّة، وقيام أعمال إرهابيّة قمعها جيشنا وانتصر، وتغييب لبنان عن العرب والعالم، وقد ساد الفساد وانتشر، فإنهار لبنان إقتصاديًّا وماليًّا، وجاءت جائحة كورونا وانفجار مرفأ بيروت لينهكا البلاد. ومن ناحية أخرى كنّا نطالب بحلّ قضيّة اللاجئين الفلسطينيّين، وبعودة المليون ونصف نازح سوري إلى وطنهم ومساعدتهم على إستعادة حياتهم فيه بكرامة، ومتابعة كتابة تاريخهم على أرضهم، والمحافظة على حضارتهم لئلا تتبدد. فقيمة الشعوب والبلدان في حضاراتهم. لقد واكبنا طيلة هذه السنوات جميع التطورات ولم نحجب نصيحة أو مساعدة، وبذلنا جهودًا مضنية لإقناع المعنيين بسلوك طريق الثوابت اللبنانية ومنطوق الدستور من دون اجتهادات عبثية لا تفيد أحدًا. وضغطنا لإجراء الإصلاحات الضرورية في مؤسسات الدولة والمجتمع والمناطق لمنع سقوط البلاد”.
ولفت إلى أنه “ما كنا نتصوّر يومًا أن يبلغَ لبنانُ، منارةُ الشرق، ولقاءُ الحضارات، هذ الدَرْكَ من الانحطاط والتقهقر. ما كنا نتصوّر يومًا أن تتنازل الشرعيةُ عن قرارها وحقها وصلاحياتها وتصبح رهينة لعبة المحاور الإقليمية. ما كنا نتصوّر أن تفشل الدولة بعد مئة سنة على وجودها الديمقراطي في تأليف حكومة. إنّنا بحكم مسؤوليّة هذا الصرح الوطنيّة والتاريخيّة، مصمّمون على مواصلة مسيرة إنقاذ لبنان واللبنانيين، كل اللبنانيين، ولن نيأس. لهذا السبب طالبنا بتحرير الشرعية والدولة، ووجهنا نداء إلى أشقاء لبنان وأصدقائه في بلاد العرب والعالم لمساعدة لبنان. ولهذا السبب اقترحتا اعتماد الحياد الناشط ليستعيد لبنان توازنه واستقراره. ولهذا السبب دعونا الأمم المتحدة إلى رعاية مؤتمر دولي خاص بلبنان. ولهذا السبب نجدد دعوتنا إلى النهوض من كبوة تأليف الحكومة فيضع الرئيس المكلف تشكيلة حكومية ممتازة ويقدّمها إلى رئيس الجمهورية ويتشاورا في ما بينهما بروح صافية ووطنية إلى أن يتّفقا على الأسماء الجديدة وتوزيع الحقائب في إطار المساواة وعلى أسس الدستور والميثاق”.
وختم: “إنّ تزامن خدمتي البطريركيّة، في ذكرى سنتها العاشرة، مع بداية مئويّة لبنان الثانية، يضعني أمام واجب جعل خدمتي نذرًا لله بالصلاة اليوميّة والعبادة، ونذرًا للبنان الوطن الروحيّ للموارنة حيث فيه كلّ جذورهم وتراثهم، بالتضحيات التي تتواصل من جيل إلى جيل. لكنّ لبنان كدولة مدنيّة هو لجميع اللبنانيّين مسيحيّين ومسلمين. والحفاظ عليه مسؤوليّة جماعيّة تشارك فيها كلّ المكوّنات اللبنانيّة، كعلامة لإيماننا المطلق بوحدة لبنان وهويّته ودوره في الشرق والعالم. المئويّة الثانية تقتضي تأسيس لبنان الكبير لا على الأرض، بل في وجداننا جميعًا وفي عقولنا وقلوبنا. وتقتضي الإعتراف بنهائيّة الوطن اللبنانيّ لا كإعلانٍ دستوريّ فقط، بل كفعل إيمان عاطفيّ وعفويّ وكمسارٍ تاريخيّ وحضاريّ في حياتنا الوطنيّة. قدّرنا الله، بشفاعة أمّنا مريم العذراء سيّدة البشارة، أن نفي معًا هذا النذر”.