IMLebanon

الأسباب الموجبة لعقد مؤتمر دولي

كتب بسام ضو في “الجمهورية”:

يصف علم السياسة المؤتمر الدولي، بأنّه محفل فريد يجمع أكبر شبكة دولية سياسية ـ إنسانية ـ إجتماعية في العالم وكل حكومات العالم تقريبًا، كما يعتبره حدثًا كبيراً في مجال العمل السياسي ـ الإنساني، وأول منتدى عالمي يهدف إلى تعزيز النقاش حول القضايا السياسية والإنسانية والإجتماعية بين الحكومات وصانعي السياسات ومكوّنات الحركة الدولية السياسية. كذلك يُشير العلم السياسي إلى أنّ الدول الأطراف في إتفاقات جنيف، والشريكة في رسم السياسات العامة على المسرح العالمي في العمل السياسي السليم خلال المؤتمر، يتوجب على نفسها إلتزامات مشتركة مع الحركة الدولية لتعزيز سياسة شفّافة. ولا حاجة للتذكير بالقرارات الجوهرية التي صدرت سابقًا حول تعزيز القانون الدولي وتنفيذه، وتعزيز الأطُرْ القانونية لمواجهة أي خلل سياسي ـ أمني ـ إجتماعي، معيّن، وبالتالي وجود بيئة مؤاتية للعمل السياسي السليم، ولإعادة الأمور في وطن ما إلى نصابها كانت فعّالة ومجدية.

إذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد شكّل في زمننا هذا أفضل نص قانوني لناحية تأثيره، فإنّ حقوق الشعب اللبناني المهدورة على يد الطبقة السياسية الحاكمة، خلافًا للنظام الديموقراطي، تبرز بإمتياز كأكبر تحدٍ في هذا المجال، إذ لا يمكن إنكار معاناة الشعب اللبناني السياسية ـ الأمنية ـ الإقتصادية ـ المالية ـ الإجتماعية، معطوفةً على كل الإخفاقات والواقع المرير الذي يعاني منه شعبنا المصلوب والمرهون إعتباطيًا.

تضمّن ميثاق الأمم المتحدة الصادر عام 1945، تأكيد حقوق الإنسان الأساسية وكرامة الإنسان وقيمته والحقوق المتساوية. كما أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في العام 1948، أكّدَ في مادته الثانية حق كل إنسان في التمتُّع بحقوق الإنسان والحرّيات الأساسية دونما أي تمييز من أي نوع. وقد شكّل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان محطة مهمّة في تاريخ حقوق الشعوب المستضعفة.

كثُر الكلام عن مطلب «المؤتمر الدولي لحلّ الأزمة اللبنانية»، وفي الأسباب الموجبة، نتطرق أولاً إلى التدخّلات الخارجية في الشؤون اللبنانية. وأنطلق في بحثي من بند اول، وهو أساسي في القانون الدولي، يتعلق بالعلاقات الدولية، يمنع أي تدخّل في شؤون الدول المستقلّة ذات السيادة التامة، بنص من أحكام ميثاق الأمم المتحدة، ورد ذكره في البند السابع من الفصل الأول الذي ينص على أنّ العلاقات الدولية بين الدول تقوم على أساس المساواة في المعاملة والواجبات وإحترام الإستقلال والسيادة والتعاون الإيجابي والإلتزام بحلّ النزاعات بالطرق السلميّة. عمليًا، هناك تدخّل إقليمي في شؤون الدولة اللبنانية، ويتمّ من دون إذن رسمي صادر عن دولتين على ما ينص عليه القانون الدولي، وقد يُصنّف هذا التدخّل ضمن جريمة العدوان. كما نذكر أنّ هناك تدخلاً مفوّضاً من الأمم المتحدة تحت مبدأ مسؤولية الحماية لحماية وإنقاذ المدنيين من النظام التوتاليتاري .

ـ البند الثاني، أفضت الإنتخابات النيابية الأخيرة، والتي شابها كثير من العيوب، ولا حاجة للتذكير بأنّ نحو 52% من الناخبين قاطعوا تلك الإنتخابات، عدا عدد الأوراق البيض الذي فاق أكثر من 20 ألف ورقة، إضافة إلى اللوائح الممزقة عمدًا على يد المقترعين، كما أنّ الإحتجاجات الشعبية التي إنطلقت، مكتسحة كل الأراضي اللبنانية إلى أكبر حركة شعبية ثورية إصلاحية. ونستخلص من هذه الإحتجاجات الشعبية، أنّ النظام السياسي الحالي يُعاني عددًا من التحدّيات، منها السياسية والأمنية والمالية والإقتصادية والإجتماعية. وهذا الأمر يتحمّل تبعاته كل مسؤول سياسي في مركز السلطة رسميًا، سواء أكان رئيسًا أو نائبًا أو وزيرًا أو رئيس حزب. وأستشهد في هذا الإطار بأهداف الأمم المتحدة الأساسية، على ما جاء في ديباجة ميثاقها، إذ تشمل إنقاذ الشعوب من ويلات الحروب والتأكيد على الإيمان بحقوق الإنسان. وفي حالة الفلتان السياسي والعجز المستمّر لناحية ممارسة النظام، وفقًا للأصول الديموقراطية ومنعًا لأي تعكير لصفو الأمن الوطني والإقليمي والدولي، يتعيّن على سعادة الأمين العام للأمم المتحدة أن يتحمّل مقدارًا كبيرًا من المسؤولية. فهو الرمز المُطلق للأمم المتحدة، وهو من ناحية ثانية البوصلة الأخلاقية للمجتمع الدولي، والعالم بأسره مسؤول عن تفويض الأمين العام، وهو ما ينطبق خصوصاً على مكانة الأمم المتحدة، إذ يمكن إعتبارها الهيئة التشريعية للعالم، وهي مُلزمة بحكم الواجب قيادة المجتمعات المنهوكة سياسيًا نحو مستقبل آمن وأكثر إنسانية. إنّ القانون يعتبر أنّ مجلس الأمن يتحمّل المسؤولية الأساسية داخل الأمم المتحدة عن الحفاظ على السلام والأمن، وفي وسعه أن يُشارك في الجهود الديبلوماسية لحلّ النزاعات وإنهاء التدخّلات الخارجية في شؤون الدول الداخلية، كما في وسعه أن يختار اللجوء إلى تدابير الإنفاذ. وفي إطار المخالفات المرتكبة على يد السياسيين، نُلاحظ أنّهم أهملوا تطبيق الدستور، وأهملوا تطبيق مندرجات قانون الدفاع الوطني، كما أهملوا تطبيق ما نصّت عليه وثيقة الوفاق الوطني، كما أهمل النوّاب مهمّتهم التشريعية لناحية تشريع القوانين ومراقبة تطبيقها.

ـ البند الثالث، خطورة الأوضاع المالية ـ الإقتصادية ـ الإجتماعية، التي تنذر بكارثة كبيرة لا تُحمد عقباها. والتظاهرات هي رسائل إحتجاج الشعب اللبناني على ما وصل إليه لبنان من وضع حرج، ولا من حل في الأفق المنظور. سياسة الإقتراض الدائم على مدار ثلاثة عقود أمرٌ لا يَعُد مقبولاً، حيث انّ كل قرض جديد يموّل سداد القروض التي سبقته. وإنّ الإستمرار في هذا الأسلوب أدّى بلبنان الحالي إلى مصاف الدول الأكثر إستدانة في العالم نسبة لعدد السكان. والخطر الأكبر، هو إقراض المصارف المحلية للدولة من مدخرات الشعب، ولم يَعُد في إمكان الشعب إستردادها، فصار الإفلاس شبحًا يُخيِّم على مستوى الدولة وأيضًا على مستوى الشعب. والبطالة في لبنان هي أحد أخطر المشكلات الخطيرة التي يمكن أن تهدِّد المجتمع اللبناني، حيث أنّها مشكلة إقتصادية من الدرجة الأولى، وتؤثر بمقدار كبير على الأمور الإجتماعية والنفسية للأفراد. وهذا الأمر يمكن أن يُسبِّب مشكلات إجتماعية خطيرة. وسيكون المجتمع اللبناني أمام مخاطر الحركات الإرهابية والجريمة وتعاطي المخدرات والهجرة والإنتحار.

للأسباب التي وردت في البنود الأول والثاني والثالث، وُجِبَ على المجتمع الداخلي الحر إحالة هذا الملف الشائك إلى مجلس الأمن لناحية الجرائم المرتكبة على يد الطبقة السياسية الحاكمة، والتي تُمعن في إهمال واجباتها الدستورية، حيث السيادة منتقصة والنظام الديموقراطي مغيّب والأوضاع الإقتصادية والمالية والإجتماعية مستعرة. وكلها أمور تصل إلى دعوة مجلس الأمن لعقد جلسة لدرس الملف اللبناني بكل مندرجاته للأسباب الموجبة المذكورة أعلاه، ليُبنى على الشيء مقتضاه.