Site icon IMLebanon

صيدا تعيش يوميات الانتظار لساعات… والبيع على الهوية

كتب محمد دهشة في صحيفة نداء الوطن:

طوابير الانتظار باتت تؤرق حياة المواطنين في مختلف مناطقهم، فالانهيار الاقتصادي والضائقة المعيشية وأزمة الدولار أعادت اللبنانيين الى زمن طوابير الذلّ خلال الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان على مدار 15 عاماً، عندما تفكّكت الدولة وفقدت كلّ مقدّراتها، كانوا يصطفّون وينتظرون لساعات للحصول على احتياجاتهم اليومية.

منذ أكثر من عام، ومع الانهيار المالي والاقتصادي مروراً بانتفاضة 17 تشرين وصولاً الى ارتفاع الدولار، عادت طوابير الانتظار تتقدّم المشهد اللبناني من الافران ومحطات الوقود ومراكز تعبئة الغاز والصيدليات والمستشفيات، وصولاً الى السوبرماركت حيث الاشكالات المتنقّلة على المواد الاستهلاكية المدعومة ولا سيما الارز والسكر والزيت والحليب، وآخرها مركز معاينة الميكانيك في الزهراني حيث امتدّت طوابير السيارات على طول كيلومترات بالرغم من اعتماد مبدأ المفرد والمزدوج، وقد إختار المواطنون النوم داخل سياراتهم بعيد منتصف الليل ليأخذوا دورهم صباحاً عند فتح المركز، علماً أنّ مراكز المعاينة فتحت أبوابها منذ يومين، بعد إقفال بسبب جائحة “كورونا”.

ويعود الحاج السبعيني أبو علي قبلاوي بالذكريات الى أيام الحرب الأهلية (1975 – 1990)، يوم كان يقف مع المئات في طوابير أمام الأفران ومحطات الوقود لتأمين احتياجاتهم، يقول: “للأسف إنّ الازمة التي يعيشها لبنان اليوم مثل الحرب سابقاً”، قبل أن يستدرك “صحيح انها اقتصادية ولكنّها أشدّ وأصعب تأثيراً على الناس، في السابق كان الناس يتضامنون مع بعضهم البعض ويتقاسمون لقمة الخبز الملح والمي، اليوم كل واحد “همّو كافيه”، ويكاد الاخ لا يسمع أنين وجوع شقيقه”.

امام احد المراكز التجارية في صيدا اصطفّ المواطنون بانتظار شراء سلع مدعومة. تتأفّف سيدة وهي تنتظر دورها، تصبّ جام غضبها على المسؤولين وتقول “الا يكفي أنّهم نهبوا مقدّرات البلد، هل يريدون اذلال الناس بفتات الطعام المدعوم من السكر والزيت والارز؟

والغضب ليس من الانتظار وحده، اذ تتفاجأ عفاف ارناؤوط بأنّ “البيع بات على الهوية”، وتقول “الى هنا وصلنا، فاذا كان السوري يتلقّى مساعدات من المنظمات الدولية والفلسطيني من ابنائه في الخارج، فماذا تفعل عائلات من المغرب العربي، وهل وصلت العنصرية الى التمييز بين لبناني وفلسطيني وسوري وجزائري وتونسي وسوداني؟ انه عار”.

وسط الازدحام، يمرّ سائق التاكسي أبو مجدي ياسين، يطلق عنان بوقه لعبور المكان، ويقول: “انتم تنتظرون هنا للحصول على المواد الغذائية، ونحن علينا الانتظار في طوابير متعددة، هنا وفي مراكز معاينة الميكانيك وعند محطات الوقود، وعلى الطرقات عند قطعها وعند المحفّرة منها، لقد سقطنا في حفر الجوع بلا رجعة”.

وحدها أم محمود معتوق تغادر المركز وقد ابتسمت بعدما نالت ضالتها في كيس من الارز حجم 5 كيلو، لكن سرعان ما تبدّلت ابتسامتها الى حزن مع مرور موكب تشييع، تقرأ سورة الفاتحة عن روح الميت الذي فتك به فيروس “كورونا” حتى أسلم الروح وتخاطبه بالقول “لقد ارتحت من ذل الحياة، بينما نحن ما زال امامنا وقت طويل على درب الخلاص”.

بينما يحمّل الناشط الصيداوي وليد السبع أعين بعض الناس مسؤولية ما يجري، يوجه لهم رسالة “بالأمليّة” لوقف “التهافت المفجوع على المواد الغذائية المدعومة ببعض السوبرماركت والمحلات”، متسائلاً “لماذا يتسابق الأغنياء والميسورون أكثر من المحتاجين وعم بروح الأب والأم والإبن والسائق يلي عنده ليجيب السلعة للبيت، إفسح المجال للمحتاج والمعسور وإعتبرها صدقة منّك وما تأخذها من دربه.. وما حدا منّا ح يموت من الجوع”.

مقابل الرسالة، بدأ ناشطون يدعون الى اعتماد مبدأ المقاطعة على البضائع التي تفوق اسعارها المعقول والمقبول، مثل البيض والدجاج، وتعميم الدعوة لمدة اسبوع وانتظار النتائج، عسى ان يكون سلاح الارادة اقوى من جشع هؤلاء.