كتب مازن خطاب في “اللواء”:
يتردّد في الكواليس السياسية عن نيّة جبران باسيل الدّفع باتّجاه تعديل الدّستور بهدف اسقاط التكليف عن رئيس الحُكومة المُكلّف، بعد أن ثبت دستورياً أنّه لا مجال لسحب التكليف. ومن شأن سُلوك هذا المسار غير المَسبوق في تاريخ لبنان السياسي أن يمسّ بعمق التوازنات القائمة وأن يفتح أبواب نزاعات وصراعات كُبرى بخلفيّات طائفيّة ومذهبيّة لا تُحمد عقباها.
وحتى لوّ تبنّت دوائر القصر الجُمهوري خيارات الصّهر فإنّ الارتدادات المُنتظرة ستكون سلبيّة. والمتوقّع أنّ ترفض «حركة أمل» كليًا هذا الخيار ولن يكون رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مُسهّلاً لأي مُحاولات في هذا الاتجاه عبر المجلس النيابي. ولن يدخل «حزب الله» في نزاعٍ دُستوريٍ يُؤجّج فتنةً مذهبيّةً مشتعلة. ومن غير الوارد أن يدخل رئيس الحزب «الاشتراكي» في هكذا خيار على الرغم من «التكويع» الدائم لمواقفه بما يحفظ مكانته في السُلطة. ولا مصلحة لـ«القوات اللبنانية» بالدخول إلى مثل هذه المتاهة. كذلك من المتوقّع أن يتوحّد كل مسؤولي الطائفة السنيّة وفعالياتها لرفض هذه الخُطوة، بغضّ النظر عن تموضعهم السياسي وعن علاقتهم الشخصيّة بالرئيس المُكلّف.
لذلك يفضّل البعض الذهاب إلى تعويم الحكومة المُستقيلة، والطلب منها مُعاودة الاجتماعات وتحمّل مسؤوليّاتها، بانتظار التوصّل إلى حلّ للأزمة الحُكوميّة الحاليّة.
وقد بدأ جهابذة البلاط الجمهوري باجتراح الاجتهادات الدستوريّة والقانونيّة من أجل تشريع تعويم حكومة تصريف الأعمال في ظلّ الظروف التي تمرّ بها البلاد، باعتبار أنّ هناك استحقاقات كبيرة تساهم في إنقاذ اللبنانيّين، ولا مجال للتغاضي عنها أو القفز فوقها.
وحقيقة الأمر أنّه لا يمكن دستورياً تعويم حكومة تصريف الاعمال التي هي بحكم المستقيلة لأن رئيسها لا يمكنه ان يعود عن استقالته حيث أتت بحكم الدستور الذي حدد في الفقرة «أ» من البند الأوّل من المادة ٦٩ منه أن الحكومة تعتبر مستقيلة حكماً بعد استقالة رئيسها، وبالتالي استقالة الحكومة هي بحُكم النص الدستوري الذي لا يمكن خرقه باي قرار او مرسوم من اي نوع كان. وعليه فإن كل كلام عن تعويمها هو «هذيان» ولغو غير دستوري.
وبخصوص «تفعيل» حكومة تصريف الاعمال عبر اجتماعها في مجلس الوزراء، فذلك لا يجوز لأنها أصبحت في حكم المستقيلة. الّا أن هناك اجتهادات تجيز لحكومة تصريف الأعمال ان تلتئم لمعالجة حالات استثنائية جداً تتعلق بمصلحة البلاد العليا، اي مواجهة حالة طوارئ او مواجهة حالة حرب او مواجهة حالات خطيرة، كالحالة الاقتصادية والمعيشية الراهنة، ولكن الدستور لم ينص على ذلك صراحةً وترك المجال للاجتهاد.
وفي كلّ الأحوال، لن يقبل رئيس الحكومة المُكلّف بمثل هذا التعويم، ورئيس حكومة تصريف الأعمال ليس متحمّساً له، ولا الأحزاب السياسيّة راغبة به، بما فيها تلك التي تصوّب على الحكومة المعتكفة بعد تحميلها كلّ المسؤوليّات.
باختصار، إنّ كلّ تلويح بتعديل للدستور بهدف اسقاط التكليف عن رئيس الحُكومة المُكلّف، أو تعويم الحكومة المستقيلة، هو محض ابتزاز لرئيس الحكومة المكلَّف بأنّ «البديل» جاهز إذا ما قرّر الاعتكاف مستنداً إلى تكليف باقٍ في جيبه.
والخيار الوحيد المُتاح يتمثّل في السماح للرئيس المُكلّف بتأليف الحُكومة التي يريد على أن يتمّ بعد ذلك إسقاطها في المجلس النيابي عند التصويت على الثقة. ولكن من غير المُرجّح أن يسلك جبران باسيل هذا الطريق لأنّه غير مضمون النتائج على الإطلاق، وستستمرّ لعبة عض الأصابع الى أن يفقد الأفرقاء قدرتهم على تحمُّل الألم ويُفلت كلُّ واحدٍ منهم إصبع الآخر، أو يرغموا على فعل ذلك.