كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
من المتوقع ان تقرّ الهيئة العامة لمجلس النواب في الاسبوع المقبل قانون استعادة الأموال المنهوبة الذي أقرّته اللجان النيابية المشتركة يوم الثلاثاء الماضي. والسؤال، ماذا سيكون مصير هذا القانون في حال لم يتبعه إقرار قانون استقلالية القضاء وإقرار المحكمة الخاصة بالجرائم المالية وخصوصاً تعيين اعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد؟
من الواضح ان المجتمع الدولي والعالم بأسره حريص على لبنان أكثر من السلطة الحاكمة، ومن المستغرب ان المناشدات الدولية المتكررة والمتتالية وآخرها مناشدة صندوق النقد الدولي أمس الاول، لا تزال لا تلقى آذاناً صاغية من قبل المسؤولين اللبنانيين المنشغلين في الاختلاف على تشكلية الحكومة المنتظرة منذ أكثر من 6 أشهر، غير مبالين للانهيار المتواصل للوضع الاقتصادي والمالي والمعيشي للبلاد، رغم ان المطلوب واضح ومحدد وهو “تشكيل حكومة لبنانية جديدة ذات تفويض واضح ضروري لتنفيذ إصلاحات اقتصادية تشتد الحاجة إليها لانتشال البلد من أزمته المالية”، على حدّ تعبير المتحدث باسم صندوق النقد جيري رايس الذي اشار الى انّ “التحديات التي يواجهها لبنان والشعب اللبناني أضخم من المعتاد، وبرنامج الإصلاح هذا تشتد الحاجة إليه”.
ورغم انّ مؤتمر سيدر والمبادرة الفرنسية والمانحين الأجانب أكدوا أنهم لن يقدموا يد العون للبنان، الغارق في الديون، ما لم يعالج الساسة اللبنانيون مشاكل الفساد والهدر باعتبارها السبب الرئيسي للانهيار، إلا ان كلّ الملفات والمشاريع الاصلاحية معرقلة لغاية اليوم، وقد مرّ عام على إقرار التدقيق الجنائي من دون المباشرة فيه، كما مرّ أكثر من عام من دون اقرار قانون الكابيتال كونترول ومن دون التوصل الى حلّ لأزمة مؤسسة كهرباء لبنان ومن دون تنفيذ أي من القوانين الاصلاحية التي تمّ اقرارها في الفترة السابقة من قانون الاثراء غير المشروع، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وحماية كاشفي الفساد، ورفع السرية المصرفية…
وفيما تبقى العبرة في التنفيذ، من المتوقع ان تقرّ الهيئة العامة لمجلس النواب في الاسبوع المقبل قانون استعادة الأموال المنهوبة الذي أقرّته اللجان النيابية المشتركة يوم الثلاثاء الماضي بعد دمج اقتراحَي قانون تقدّم بهما تكتل “لبنان القوي” والنائب المستقيل سامي الجميل، مع تعديلات اللجنة الفرعية واللجان المشتركة، ليضاف هذا القانون الى منظومة القوانين الأخرى التي تم اقرارها فقط لأنها مطلب دولي لكنها بقيت بعد اقرارها حبراً على ورق. وهذا ما سيكون عليه مصير قانون استرداد الاموال المنهوبة في حال لم يتبعه اقرار قانون استقلالية القضاء واقرار المحكمة الخاصة بالجرائم المالية، وخصوصا تعيين اعضاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
في هذا الاطار، اوضح رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين كريم ضاهر لـ”الجمهورية” ان قانون استعادة الاموال المنهوبة يأتي ضمن سلّة القوانين المطلوبة من لبنان من اجل ان يكون متطابقا مع شروط عضوية معاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد، مشيراً الى ان هذا القانون من أهم القوانين التي تمّ اقرارها في الفترة السابقة، لأنه يوحّد آلية واجراءات طلب استرداد الاموال والتي كانت المرجعية فيها غير محدّدة سابقاً، وليست معلومة الجهة المولجة المباشرة بطلب استرداد الاموال المنهوبة بين المدعي العام التمييزي او وزارة العدل او الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وقال ان الجمعية سبق واقترحت انشاء لجنة من 7 اعضاء في وزارة العدل برئاسة وزير العدل، على ان تناط مهمة تعيين الامانة العامة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. على ان تكون مسؤوليات اللجنة اقتراح الاستراتيجيات لمتابعة الاجراءات واقتراح التسويات مع الاشخاص الصادرة في حقهم الاحكام، وان تجتمع اللجنة كل 3 اشهر مع ممثلي الجمعيات المعنية بمكافحة الفساد او المجتمع المدني او الاشخاص المتقدمين بشكاوى الفساد والمتضررين لإطلاعهم على سير الاعمال. كما تصدر تلك اللجنة تقريراً سنوياً حول انجازاتها، لكنّ التعديلات التي قامت بها اللجان النيابية هي نقل الصلاحيات من وزارة العدل الى الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وشرح ضاهر ان معاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد تشترط على الدول الاعضاء، لدى استرداد الاموال المنهوبة، اعادة استخدام تلك الاموال للتعويض على ضحايا الفساد وللتنمية المستدامة ومكافحة الفقر وتحقيق العدالة. لذلك، وجب عى القانون ان ينصّ على عدم تحويل الاموال المستردّة الى خزينة الدولة لأنه سيتعذّر وفقاً للقواعد الجوهرية للموازنة والمالية العامة تخصيص تلك الاموال لنفقة معيّنة، وبالتالي لن تذهب تلك الاموال الى الغايات المحدّدة لها، وسترفض الدول الاجنبية اعادة تلك الاموال الى لبنان. لذلك، نصّ قانون استعادة الاموال المنهوبة الذي تمّ تعديله، على ان يتم تحويل تلك الاموال الى الصندوق السيادي الذي سيتم إنشاؤه والذي يحق له ادارة تلك الاموال لتغطية نفقات عملية الاسترداد وللتعويض على المتضررين من اعمال الفساد والتنمية المستدامة ومكافحة الفقر.
وحول عدم الامكانية في تطبيق القانون رغم اقراره بسبب عدم تعيين اعضاء الهئية الوطنية لمكافحة الفساد، اوضح ضاهر ان الحكومة الجديدة فور تشكيلها، مُلزمة مباشرة بتعيين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. وفيما توقّع اقرار القانون للتعبير عن وجود ارادة سياسية للاصلاح، أكد انه لن يتمّ تطبيقه في المستقبل القريب بل ان ايجابية اقراره تكمن حالياً باكتمال سلّة القوانين المطلوبة عندما تبدأ فعلياً مرحلة التغيير وينطلق مسار الاصلاح الجدّي.