كتب خيرالله خيرالله في صحيفة “الراي” الكويتية:
يصعب الحديث عن قعر يمكن للانهيار اللبناني بلوغه.
تجاوزت قيمة الدولار العشرة آلاف ليرة لبنانية ولا يوجد ما يشير إلى أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل يستوعبان ذلك معنى ذلك وأبعاده.
حتّى رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب، بثقافته السياسية المتواضعة، بدأ يستوعب.
اكتشف فجأة أنّه لم يعد لديه ما يقوم به غير الاعتكاف، أي الامتناع حتّى عن تصريف الأعمال، من أجل الدفع في اتجاه تشكيل حكومة تستطيع التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
في ظهوره المفاجئ يوم السبت على الشاشات التلفزيونية نسي دياب أمراً واحداً.
نسي ما سبق أن قاله عن أن حكومته حقّقت 97 في المئة مما وعدت به.
أين تبخّرت كلّ هذه الإنجازات؟ اذا كان الإفلاس اللبناني إنجازاً، فقد أوصل رئيس الحكومة المستقيلة البلد الى حيث المطلوب من أمثاله إيصاله.
مخيف الوضع اللبناني.
أكثر ما هو مخيف فيه أن الطرف الذي يتحكّم بكلّ المفاصل السياسية، أي «حزب الله»، ليس لديه أيّ همّ لبناني.
بقي لبنان أم زال، هذا أمر ثانوي بالنسبة الى «حزب الله» الذي يمتلك أجندة وحيدة.
تتمثّل هذه الاجندة في خدمة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة، وهو مشروع بات يواجه أفقاً مسدوداً، خصوصا أنّه لا يمتلك أي نموذج يستطيع تقديمه الى دول المنطقة ولا الى إيران نفسها.
ثمة مكان يلتقي فيه «حزب الله» مع عون وباسيل.
هذا المكان هو عدم الاكتراث بما يحلّ بلبنان واللبنانيين.
لا وجود سوى لهمّ واحد لدى عون.
إنّه همّ وصول باسيل الى قصر بعبدا لدى انتهاء ولايته في 31 أكتوبر 2022.
معروف لماذا لا يستطيع «حزب الله» مراجعة الذات والاعتراف بمسؤوليته عن وصول الوضع اللبناني الى ما وصل اليه، أي الى انهيار لبنان.
في النهاية، إنّ الحزب ليس سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني.
لم يخف حسن نصرالله، الأمين العام للحزب يوماً أنّ مرجعيته هي «المرشد» في ايران آية الله علي خامنئي.
ما ليس معروفاً بعد، بل ما يمكن أن يكون معروفاً أكثر من اللزوم، كيف يستطيع رئيس الجمهورية تفادي الاعتراف بأنّ صهره لا يمكن أن يكون رئيساً للجمهورية في يوم من الأيّام وأنّ «حزب الله» لن يستطيع تكرار تجربة 2016 عندما أوصل عون الى قصر بعبدا بعدما اختبره طوال عشر سنوات وتبيّن له أنّه مستعد لتغطية كلّ ما يقوم به الحزب، بما في ذلك مشاركته في الحرب على الشعب السوري.
ما لا يمكن تجاهله أن ثمّة عقوبات أميركية فرضت على باسيل بموجب قانون ماغنتسكي المرتبط بالفساد. ما لا يعرفه عون، أو ما لا يريد سماعه ربّما، أنّ هذه العقوبات ليست أميركية فقط بل انّه سبق فرضها مشاورات بين الإدارة الأميركية السابقة ودول أوروبية عدّة.
من الصعب التخلّص من العقوبات، بحدّ ذاتها.
فكيف عندما يكون الامر مرتبطاً بدول أخرى أيضاً لعبت دورها في الدفع في اتجاه فرض هذه العقوبات!
ليس ما يضمن إجراء أي انتخابات في لبنان مستقبلاً، لا انتخابات نيابية ولا انتخابات رئاسية.
لنفترض انّه تقرّر إجراء انتخابات نيابية قبل نهاية ولاية عون، سيظلّ السؤال المطروح: بموجب أي قانون ستجري هذه الانتخابات؟ هل بموجب القانون الذي وضعه «حزب الله» والذي أجريت على أساسه انتخابات مايو 2018؟
إنّ قانون الانتخابات هذا لم يوضع إلّا لسبب واحد هو شرذمة السنّة وتمكين الحزب من التحكّم بالأكثرية النيابية.
كان قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» صادقاً الى أبعد حدود عندما صرّح، مباشرة بعد انتخابات 2018 لمجلس النوّاب اللبناني بانّ ايران باتت تمتلك أكثرية في هذا المجلس!
جديد لبنان في الأسابيع القليلة الماضية، ليس اختراق الدولار حاجز العشرة آلاف ليرة لبنانية واستمراره في الصعود، ولا نزول الناس الى الشارع فحسب، بل الجديد أيضاً في إرسال باسيل طاقمه الذي يتضمّن مجموعة من الجهابذة الى قصر بعبدا كي يؤكّد أنّه الرئيس الفعلي للجمهورية.
من كلام دياب، الى السقوط المستمرّ لسعر العملة والمآسي التي يعانى منها فقراء لبنان… الى الفوضى التي يشهدها الشارع حيث يشارك «حزب الله» وحركة «أمل» في إغلاق الطرقات لأسباب شيعية داخلية، ليس ما يشير الى وجود بارقة أمل في لبنان.
ليس في لبنان قيادة سياسية.
لا وجود لمن يريد تشكيل حكومة.
لو كان عون يريد تشكيل مثل هذه الحكومة، لكان وافق على اللائحة التي وضعها سعد الحريري بين يديه والتي تتفق كلّياً مع شروط المبادرة الفرنسيّة التي سبق لرئيس الجمهورية إن وافق عليها.
ما العمل في بلد يحكمه «حزب الله» الذي لا يرى في لبنان سوى ورقة ايرانيّة، في ظلّ رئيس للجمهورية مستعدّ للاستغناء عن وجود حكومة في حال لم تكن هذه الحكومة مجرّد وسيلة كي يضمن شخص محدّد مستقبله السياسي.
هذا الشخص هو باسيل الذي لا مستقبل سياسياً له.
مثل هذا المستقبل معدوم لأسباب عدّة.
من بين هذه الاسباب لماذا لبنان من دون كهرباء؟
لنضع العقوبات الأميركية على باسيل جانبا.
عاجلا أم آجلا سيتوجب عليه الإجابة عن سؤال متعلّق بالكهرباء والسفن التركيّة التي جيء بها لتغذية لبنان بالكهرباء وإن جزئياً.
في النهاية، ان قطاع الكهرباء في عهدة صهر رئيس الجمهورية منذ 12 عاماً.
من يمضي دزينة من السنوات مسؤولاً عن ملفّ معيّن وحسّاس ويسقط فيه سقوطاً مريعاً لا يمكن أن يطمح لأن يكون رئيساً للجمهورية في يوم من الأيّام.
لن يستطيع ذلك، بأيّ شكل، حتّى لو قرّر «حزب الله» ذلك.
ليس سرّا أن المسؤولين الفرنسيين، على رأسهم الرئيس ايمانويل ماكرون، يعرفون من أفشل مبادرتهم في لبنان. يعرفون ان العقدة هي عون وباسيل وأنّ لا أمل في المستقبل القريب بتجاوز هذه العقدة.
لهذا السبب، وليس لغيره، نفضوا يدهم من لبنان وقرّروا فقط التركيز على تشكيل حكومة في أسرع وقت، أقلّه من أجل وقف حال السقوط الحرّ للبلد… وهو سقوط لم يعد من قعر له!