كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في صحيفة “الراي” الكويتية:
لن يخرج لبنان قريباً من قلب «تسونامي الأزمات» التي يزداد عصْفُها مع كل «موجةٍ» جديدة من «لي الأذرع» الداخلي على تخوم مأزق تشكيل الحكومة الذي يمْضي من تعقيدٍ إلى آخَر، وسط اصطدام «كاسحة الألغام» الديبلوماسية العربية – الغربية الساعية لتوفير «هبوط آمِن» يقي البلاد الارتطامَ القاتل، بـ «رياحٍ مُعاكِسة» من الداخل والخارج تشي بأن كسْرَ «الحلقة الجهنمية» لن يحصل إلا على مزيد من «حُطام» الواقع المالي – النقدي – الاجتماعي وربما… الأمني.
وسرعان ما ووجه الاستنفارُ الديبلوماسي الذي أعقب «انكسار الجَرّة» بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري والذي عَكَس مسعى خليجياً – دولياً للحؤول دون تَجَرُّع لبنان كأس الانهيار الشامل بتشظياته التي لن توفّر المحيط، بقوة «دفْعٍ عكسي» عبّر عنها ارتفاعُ «الجدران» أكثر على خط بعبدا – بيت الوسط و«رصاصة إنذار» سياسية من إيران التي لا يمكن تَصَوُّر قابلية أي حلّ في «بلاد الأرز» للحياة بمعزل عنها.
واستوقف أوساطاً سياسية أن التصعيد المتدرّج جاء على وقع ارتسام «أول خيوط» مبادرةٍ من «صنع محلي» تستظلّ شعارَ «إلى التسوية دُرْ» التي يراها الخارج «أفضلَ الممكن» تفادياً للانفجار الكبير وتحقيقاً للحدّ المعقول من تنازلاتِ تسمح بإطلاق عجلة الاصلاحات التي تشتمل على جوانب بارزة تطلّ على ملف الحدود البرية (مع سورية)، والتي تشكّل الوجهَ الآخَرَ لقطع الطريق على إمعان قوى سياسية في استغلال الواقع «المتفلّت» تحت عنوان «تَقاسُم الجبنة» وأخرى في تمكين نفوذها ذات البُعد الاقليمي وفي مقدّمها «حزب الله».
وإذ بقي الغموض أمس يلف الوقعَ الذي ستتركه محاولة رئيس البرلمان نبيه بري انتزاع توافُق صعب على صيغة حكومية من 24 وزيراً اختصاصياً من غير الحزبيين وعلى قاعدة 3 ثمانيات ومن دون ثلث معطّل لأي فريق، لم يكن عابراً الهجوم الأعنف من «التيار الوطني الحر» على الحريري بعيد الكشف عن هذه المبادرة ورميه ورقة «النصف زائد واحد» بوجه الرئيس المكلف في ما بدا من ضمن محاولة إرساء «معادلة ردْع» بإزاء مطلب الثلث زائد واحد الذي لا يغيب عن مختلف الصيغ التي يطرحها فريق رئيس الجمهورية وإن لم يتم تظهير الأمر على أنه مطلبٌ أو شرط بل نتيجة تلقائية لمعيار «الميثاقية وعدم الإقصاء».
وعبّر ردّ «تيار المستقبل» (يتزعّمه الحريري) على «التيار الحر» عن أن «جبل الخلاف» بين الجانبين بات أعلى من محاولات «إذابة الجليد» خصوصاً بعدما اتهّم «المستقبل» النائب جبران باسيل بأنّه «يصر على تطييف الأزمة الحكومية ويقفز من معيار الى معيار ليضمن الوصول إلى الثلث المعطل»، معتبراً ان استخدام «مهارات الغش والكذب والاحتيال في العمل السياسي ومواجهة مخاطر اقتصادية يصنف في خانة الجرائم الوطنية»، ومعرباً عن عدم التفهم «ان يعتبر باسيل القرار السياسي لرئاسة الجمهورية خاتماً في إصبعه، وان يرمي على الرئيس المكلف تبعات حشر الرئاسة بممارسات تعرضها للانتقاد والسخرية والطعن بدستوريتها».
ولم يقلّ دلالةً على استمرار «التمتْرس» الداخلي حكومياً من تَحوُّل التحرك الذي يقوم به البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي محور تجاذُب ضمني بين فريقيْ عون والحريري، وخصوصاً بعدما ظهّر استقبالُ البطريرك للرئيس المكلف على العشاء (الخميس) ورفْضه الصريح للثلث المعطّل وتمسكه بحكومة الاختصاصيين المستقلين اقتراباً كبيراً من معايير زعيم «المستقبل».
وكان بارزاً أن الراعي عاود في قداس أحد الشعانين، التذكير بثوابته مع تأكيد «ان الصرح البطريركي لم يكن يوماً مؤيّداً لأي مسؤول ينأى بنفسه عن إنقاذ لبنان وشعبه ولا لسلطة تعرقل تأليف الحكومات ولا لجماعات سياسية تعطي الأولوية لطموحاتها الشخصية على حساب سيادة لبنان واستقلاله»، منتقداً «حالة اليتم التي أوقع فيها المسؤولون السياسيون العائلات اللبنانية التي كانت تنتظر حكومة إنقاذية غير حزبية، مؤلفة من خيرة الاختصاصيين أحراراً من كل لون حزبي وسياسي ومن كل ارتهان»، راجياً «أن يدرك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف انهما، انطلاقا من الثقة المتبادلة والمسؤولية المشتركة، محكومان بالتشاور وبالاتفاق وفقاً للقاعدة التي جرت منذ التعديلات الدستورية عام 1990 ما بعد الطائف، إذ كانا يحددان معاً المعايير ويختار كل منهما وزراء، ثم يتفقان على التشكيلة برمتها».
وفيما استوقف دوائر متابعة كلام الراعي عن آلية التشاور والاتفاق بين رئيسيْ الجمهورية والحكومة المكلف والتي بدا فيها يقترب من طرْح فريق عون، قال مستشار الحريري الوزير السابق غطاس خوري تعليقاً على عظة البطريرك «صدق من قال أن كلام البطريرك هو بطريرك الكلام.
وها هو الراعي يطرح معايير لإنقاذ البلاد أين منها معايير المتاجرين بحقوق المسيحيين، وهي معايير الطائف والدستور والمصلحة الوطنية والتي يريدها ويطالب بها الرئيس المكلف سعد الحريري وينأى عنها المعطلون والمعرقلون والعاملون على خطوط الأجندات الخارجية»، معتبراً أن هذه العظة «تختزل عمق الأزمة وتحدد وجهة الحل، والكلام الذي ورد فيها لن يكون بعده كلام، وهو برسم جميع اللبنانيين مسيحيين ومسلمين».
وفي شقّ بارز آخر، اعتبرت أوساط مطلعة أن مواقف مساعد رئيس مجلس الشورى الايراني حسين أمير عبداللهيان التي هاجم فيها الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية لم تكن فقط بمثابة «ضوء أحمر» أمام المبادرة الفرنسية بل انطوت على أبعاد أعمق وتحديداً من بوابة مثلث المقاومة والجيش والحكومة القوية الذي رسمه، متهماً واشنطن وباريس والرياض بالعمل لـ«عدم وجود حكومة قوية والانقسام وإضعاف المقاومة»، معتبرة أن هذا الكلام يأتي «على الموجة» نفسها لما سبق أن أعلنه قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني غداة انتخابات 2018 النيابية بتأكيده أن «حصول حزب الله (وحلفائه) على 74 مقعداً من أصل 128 للمرة الأولى في البرلمان، يحوله من حزب مقاومة إلى حكومة مقاومة».
ورأت هذه الدوائر أن إيران أطلقت إشارةً كان مهّد لها السيد حسن نصرالله بتعويمه طرح الحكومة السياسية أو التكنو – سياسية قبل 11 يوماً، بما يعكس أن«التدافع الخشن»حيال الملف الحكومي مازال مفتوحاً على المزيد من فصول «عضّ الأصابع» ربْطاً بالملف النووي والمفاوضات مع الولايات المتحدة.