بعد مشاورات قادها طوال الاسبوع الماضي مع نظرائه الاوروبيين شملت ايضا البيت الابيض، تحرّك وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان امس في اتجاه لبنان، حاملا “العصا”، هذه المرة من دون جزرة. اتّصل بكل من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، “مؤنّبا” ومحذّرا و”أكثر”. بحسب ما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية”، فإن سيّد “الكي دورسيه” نطق باسم الاسرة الاوروبية قاطبة، رافضا عملية التعطيل الممنهج المتمادية فصولا منذ 7 اشهر، لتشكيل الحكومة وللمبادرة الفرنسية. عواصم “القارة العجوز” باتت كلّها في صورة التعطيل الحاصل وقد نقل اليها سفراؤها والقائمون بأعمالها في بيروت، ما يجري على الساحة المحلية، بالتفاصيل، اثر حركة الزيارات واللقاءات الناشطة التي يعقدونها منذ شهور والتي تكثّفت الاسبوع الماضي.
ولم يكتف الدبلوماسي الفرنسي بالتقريع لأداء المنظومة الذي يدفع الشعب ثمنه، وقد اعرب عن اسفه للتعطيل “في حين يستمرّ لبنان في الانغماس أكثر في أزمة اقتصادية واجتماعية وإنسانية وسياسية حادة، وهي أزمة تضع البلد في توتر خطير وغير ضروري”، بل لوّح بخيارات اخرى في التعاطي مع هذا السلوك الاناني غير المسؤول، اكثر صرامة، جارٍ الاعداد لها حاليا بين العواصم الاوروبية. وقال بيان الخارجية الفرنسية “الوزير لودريان وضع الشركاء الأوروبيين بعد 7 أشهر من تعطيل الحلول بضرورة التشدّد بالضغوط”.
المجتمع الدولي يقف على عتبة الانتقال الى مرحلة جديدة في التعاطي مع السلطة السياسية ونهجها المتصلّب، الذي لم تنفع في تبديله الاساليب الدبلوماسية والنداءات الحبية والودية ولا التحذيرات من الاسوأ الآتي. فما الذي ستحمله هذه المرحلة من تدابير، علما ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون تحدث منذ اسابيع قليلة عن ضرورة تبديل استراتيجية الخارج في التعاطي مع ازمة لبنان؟
قد تكون العقوبات التي ستفرض على المعطلين احدى الوسائل التي سيلجأ اليها الاوروبيون للضغط. ووفق المصادر، هذا التوجّه مدار بحث اليوم بين قادة العواصم الكبرى. فموقف لودريان امس يعتبر الانذار الاخير، واذا لم يلق آذانا صاغية، فإن المجتمع الدولي سيلعب حتما ورقة “القصاص” وسيُدرج مسؤولين لبنانيين على قوائمه السوداء… فهل يتمكّن بيان الخارجية الفرنسية ولهجته الحازمة والواضحة، من إنزال المعطلين عن شجرة شروطهم، ام لا؟
الجواب سيتظهّر في الايام القليلة المقبلة، علما ان لودريان كاد يسمّي هؤلاء بالاسماء، حين اشار الى ان “التعطيل المتعمد لأي احتمال للخروج من الأزمة يجب أن يتوقف فورًا، ولا سيما من جانب بعض الفاعلين في النظام السياسي اللبناني، من خلال مطالب متهورة ومن زمن آخر”، غامزا من قناة تمسّك بعض القوى باثلاث معطّلة وبحقها في اختيار وزرائها وتسميتهم وتحديد عددهم في التركيبة العتيدة، تحت ستار الصلاحيات والميثاقية وحسن التمثيل وضمان حقوق طوائفها، فيما طوائف الشعب كلها وحّدها الفقر والجوع والعوز والمرض.
في المقابل، الخشية جدية من ألّا ينفع سيف العقوبات هو الآخر، مع المنظومة، وحتى انه قد يدفعها الى التصلّب اكثر اذ “لم يعد لديها اي شيء تخسره”، كما ان للحكم اسلحة مضادة قد يستخدمها للدفاع عن نفسه وردع الاوروبيين، عبر اخافتهم بـ “النازحين السوريين”، وقد قال الرئيس عون خلال استقباله ممثل المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان (UNHCR) أياكي إيتو: لبنان الذي يستضيف على أرضه أكبر نسبة من النازحين السوريين في العالم قياساً إلى عدد سكانه ومساحته الصغيرة، وصل إلى مرحلة الإنهاك نتيجة تداعيات هذا النزوح.