كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
لم يكد الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يوزع تهديداته في أكثر من اتجاه مؤخراً، ضد المتظاهرين الذين يقطعون الطرق احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ضد الجيش اللبناني والقوى الأمنية التي تتعاطى مع المحتجين بأسلوب وطني وحضاري وتحسساً منها بمعاناتهم الصعبة، ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على خلفية ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة، وصولاً في الختام إلى دعوته لتشكيل حكومة تكنوسياسية في حال لم يتم التفاهم بين رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون على تأليف حكومة اختصاصيين لأنها حسب تبريره لن تصمد بالشارع أمام احتجاجات المتظاهرين لأنها غير مدعومة سياسياً، حتى لاقاه على الفور رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بتغريدة يؤيد فيها طرحه بخصوص تأليف حكومة تكنوسياسية. وهكذا بدا بوضوح التناغم القائم بين الحزب والتيار برفضهما تشكيل حكومة اختصاصيين وانكشاف مسؤوليتهما المشتركة عن تعطيل تشكيل حكومة المهمة وانقلابهما على المبادرة الفرنسية، برغم تعهدهما معاً أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتأييد ودعم تأليف حكومة اختصاصيين إنقاذية، وبالتالي لم يعد ممكناً التستر على موقفهما المعرقل والمعطل لتشكيل حكومة اختصاصيين أو التذرع بمواقف الأطراف الأخرى لإخفاء مسؤوليتهما المباشرة عما يحصل.
بداية، تولّى حزب الله عرقلة مهمة السفير مصطفى أديب تشكيل حكومة اختصاصيين كما هو معلوم للجميع، ثم تولّى باسيل دور المعطل منذ تسمية الحريري لتشكيل الحكومة المقترحة، وأصبح الجميع بالداخل والخارج على معرفة كاملة بأنه هو الذي يعطل تشكيل الحكومة الجديدة، تحت شعارات ومطالب براقة وملتوية وهدفها واحد وهو الإمساك بزمام قرار الحكومة والاحتفاظ بقرارات الحل والربط والمكاسب التي تدرّها الوزارات الوازنة، كوزارة الطاقة «على عينك يا تاجر»، حتى ولو اقتضى الأمر بقاء البلد بلا حكومة جديدة وغارق بالفراغ الوزاري، لأنها ليست المرة الأولى التي يتسبب فيها التيار العوني بأزمة فراغ إذا لم يحصل على مبتغاه ويحقق أهدافه ولو كان ما يحصل على حساب خراب ودمار البلد، وأكبر مثال تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لأكثر من عامين ونصف العام لتمهيد الطريق لانتخاب ميشال عون لرئاسة الجمهورية.
اللعبة باتت مكشوفة، نصر الله يريد تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة ومنع ترددات الفراغ الوزاري الحاصل ومحاصرة المحتجين بكل الوسائل القمعية والترهيبية لمنع انزلاق الوضع نحو الأسوأ ومحاصرة موقع الرئاسة الأولى الذي بات ساقطاً لدى الرأي العام ولم تعد تنفع كل محاولات إسناده بالمواقف المرتفعة السقوف من هنا وهناك بعدما فقد كل مقومات استمراره بفعل الأداء السيىء لزمرة العهد والعجز الفاضح في الأداء الرئاسي على كل المستويات بالداخل والخارج معاً.
الجميع في الداخل والخارج أصبح على معرفة كاملة بمن يعطّل تشكيل الحكومة بشعارات ملتوية
كل ذلك لأن الحزب لا يريد تسهيل تنفيذ المبادرة الفرنسية هكذا وتسهيل تأليف حكومة اختصاصيين تستطيع المباشرة بمهمات إنقاذ البلد من الأزمة المالية والاقتصادية التي يتخبط فيها، بل يريد إطالة أمد أزمة تشكيل الحكومة الجديدة لإبقائها ورقة بيد المفاوض الإيراني للمساومة عليها مع الطرف الأميركي وحتى الأوروبيين وفي مقدمتهم فرنسا، لكي يستطيع توظيفها لمصالحه الخاصة على حساب مصالح الشعب اللبناني واستقراره واقتصاده وازدهاره.
باختصار يحاول نصر الله بتهديداته لكل من يؤثر باتجاهات الوضع الداخلي، بالسياسة والأمن والاقتصاد، تركيز حالة تجميد للوضع الراهن، بكل تداعياته ومؤثراته السلبية على مستقبل الوطن كله، مهما بلغت التكلفة الباهظة على اللبنانيين كلهم، بانتظار نتائج الصفقة الإيرانية مع الغرب، لأن ما يهمه مصلحة النظام الإيراني كما ظهر بممارساته على مدى السنين الماضية وما يحصل اليوم، ليس في موضوع تشكيل الحكومة فقط، بل في مسائل ومواضيع تتعلق بوحدة وأمن واستقرار لبنان.
من جهته، يلاقي رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل الذي يسعى بكل قواه لإعادة تعويم نفسه، الأمين العام للحزب، بسلسلة من الممارسات والمطالب التعجيزية والمخالفات الدستورية الممجوجة لتعطيل تشكيل الحكومة الجديدة، تتلبس أساليب إثارة النعرات الطائفية والحساسيات الدينية والغرائز الشعبية وشعارات انقسامية، في محاولة مكشوفة لابتزاز الرئيس المكلف إلى أقصى حد ممكن، إما للحصول على الثلث المعطل كما هو ظاهر علناً في كل الطروحات برغم النفي الظاهري الذي لا يقدم أو يؤخر شيئاً، أو لاستنساخ حكومة على قياس حكومات الوحدة الوطنية السابقة الفاشلة، والمرفوضة سلفاً من معظم اللبنانيين والمجتمع الدولي على حد سواء، ما يؤدي إلى رفض هذه الطروحات والصيغ لأن الموافقة عليها والسير في ركابها سيؤديان حتماً إلى فشلها وعجزها عن القيام بالمهمات المنوطة بها. ولذلك، تتلاقى أساليب «حزب الله» في تعطيل تشكيل الحكومة الجديدة مع الممارسات الفظة للرئاسة الأولى والمطالب التعجيزية للتيار الوطني الحر وتتقاطع مصالحهما معاً، كل من زاويته وتوجهاته لإعاقة ومنع تشكيل الحكومة الجديدة، فيما تبقى الأزمة الوزارية تراوح مكانها، وترخي بمزيد من تداعيات التدهور المالي والاقتصادي والمعيشي على أوضاع اللبنانيين الحياتية وتضع لبنان كله في مهب الريح، في انتظار مصير التسويات والصفقات الماثلة للعيان بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، ولذلك، قد يطول انتظار اللبنانيين أكثر مما هو متوقع وتداعيات الانهيار لن تتوقف عند حدود.