كتب رضوان مرتضى في “الاخبار”:
لم يُرسِل المحققون الفرنسيون تقريرهم النهائي بشأن انفجار مرفأ بيروت. المحقق العدلي الجديد طارق بيطار عاود التحقيق من نقطة البداية مع اقتراب الفرج بالنسبة إلى موقوفين سُجنوا ظُلماً لإرضاء الرأي العام الغاضب. يترافق ذلك مع رواية جديدة يملك تفاصيلها الدقيقة وزير الدفاع السابق يعقوب الصرّاف الذي لم يستدعه القضاء بعد، رغم تصريحه بامتلاك معطيات ومعلومات في غاية الأهمية تتعلّق بانفجار مرفأ بيروت. فماذا لدى الصرّاف؟
فقط في لبنان يخرج وزير دفاع سابق ليُعلِن أنّ لديه معلوماتٍ تتعلّق بأضخم انفجارٍ في تاريخ البلاد، لكنّ المحقق العدلي القائم بالتحقيق لا يكترث له، بل يرفض الاستماع إليه، رغم محاولات الوزير المتكررة للإدلاء بما لديه. قبل أشهر، خرج وزير الدفاع السابق يعقوب الصرّاف عن صمته، مُعلِناً امتلاكه معطيات ومعلومات في غاية الأهمية تتعلّق بانفجار مرفأ بيروت، لكنّ المحقق العدلي السابق فادي صوّان رفض الاستماع إليه. وكشف الصرّاف أنّه حاول الاتصال مباشرة بالقاضي صوّان، لكن عبثاً كانت محاولاته، فترك له خبراً في مكتبه، لكن المحقق العدلي لم يُحرّك ساكناً. عمد بعدها الصرّاف إلى إرسال كتاب رسمي عبر وزيرة العدل وحوّلته مباشرة إلى مدعي عام التمييز الذي أحاله على صوّان، لكن من دون جدوى أيضاً. انقضت ثلاثة أشهر، كان خلالها صوّان محققاً عدلياً، بتجاهلٍ تام لما في جعبة وزير الدفاع السابق الذي قرر إعلان ما حصل معه أمام الرأي العام.
أُضيف شهرٌ جديد منذ أن كُلِّف القاضي طارق البيطار بمهام التحقيق العدلي من دون استدعاء الصرّاف للاستماع إليه، مع العلم بأنّ القاضي البيطار يملك معذرة التأخير لكونه قرر الانطلاق بالتحقيق من النقطة الصفر؛ إذ إنّه يعاود الاستماع إلى إفادات جميع الموقوفين في الملف البالغ عددهم ٢٥ موقوفاً، مع تسطير استنابات قضائية بشأن مسار السفينة «روسوس» التي كانت تحمل شحنة نيترات الأمونيوم، ومالكي الشحنة التي انفجرت في مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020، وكيفية شرائها ولصالح من استُورِدت ومن دفع ثمنها، لحسم هوية المسؤولين عنها. وبدا واضحاً أنّ القاضي البيطار وضع منهجية تنقسم إلى ثلاثة أقسام لتحديد المسؤوليات وتوزيعها؛ المرحلة الأولى دخول النيترات، المرحلة الثانية إفراغ السفينة وتخزين النيترات، والمرحلة الثالثة الحريق إذا كان مفتعلاً أو بالصدفة، مع أنّ طبيعة الجريمة وحجم التحقيق وعدد الموقوفين والنتائج المرتقبة كانت تفترض تشكيل لجنة تحقيق من عدة قضاة، بدلاً من أن يُلقى الحمل كاملاً على قاضٍ واحدٍ سيستهلك وقتاً طويلاً جداً قبل الوصول إلى النتائج النهائية.
وبحسب ما علمت «الأخبار»، لدى وزير الدفاع الأسبق صور جوية للسفينة «روسوس»، أثناء رسوِّها في المياه الإقليمية اللبنانية في تواريخ مختلفة منذ دخولها في ٢١ تشرين الثاني عام ٢٠١٣، حيث يتبيّن أنّ السفينة جرى نقلها عدة مرات داخل الحوض البحري لمرفأ بيروت وخارجه، علماً بأنّه بحسب القانون، فإنّ السفن التي تنقل متفجرات أو مواد خطرة، ملزمة بالرسو خارج أحواض المرفأ التي يُمنع عليها دخولها إلا بموافقة رئيس المرفأ حصراً. كما أنّ لون سقف السفينة كان يختلف بين صورة وأخرى؛ فتارة يظهر اللون الأبيض وتارة الأحمر، في دلالة على أنّ أبواب العنابر كانت تُفتح وتُقفل. وكشفت المصادر أنّ هناك صورة مؤرخة بتاريخ ٣ أيار ٢٠١٥ تُبيّن أنّ عنابر السفينة قد امتلأت بالمياه، مشيرة إلى أنّ قرار تعويم السفينة غير قرار تفريغها. ولدى الوزير السابق الصراف مجموعة صور جوية للسفينة التي بقي أثرها يظهر حتى تاريخ ٢٣ آذار ٢٠١٨ مع أنّها غرِقت في 18 شباط من ذلك العام.
كذلك ذكرت المصادر أنّ المعطيات التي لدى وزير الدفاع السابق الصرّاف تُبيّن أنّ السفينة «روسوس» كانت في صيدا في حزيران العام 2013، أي قبل أشهر من دخولها مرفأ بيروت وبقائها فيه بحجة تعطُّلها. وتكشف المصادر أنّ لدى الصرّاف تساؤلات تُعزّز فرضية المؤامرة لجهة طلب تدخل القضاء لمنع السفينة من المغادرة، ثم تفريغ حمولتها. وهنا يُفترض مساءلة الفريق الذي أعدّ التقرير الذي تمّ بموجبه اتخاذ قرار إفراغ حمولة السفينة، وتحديد الشخص الذي أبلغ القضاء أنّ تضرر «روسوس» يحول دون السماح بإبحارها، مع أنّ ذلك غير مثبت. وتجدر الإشارة إلى أنّه إضافة إلى المعلومات الخاصة لدى الصرّاف، فقد أجرى الأخير دراسةً مفصّلة تتعلّق بمرفأ بيروت ورحلة السفينة. يتوقّف الصرّاف عند إفادة الوكالة الوطنية للتجارة والشحن التي ذكرت أنّ السفينة ستدخل بحالة «ترانزيت»، لكنها لم تذكر في رسالتها هذه أنّها جاءت لتحميل آليات المسح الزلزالي لتنقلها إلى العقبة في الأردن. كذلك يتوقف عند تغيير قبطان السفينة، كاشفاً أنّ عدد من المعاملات التي قُدِّمت لإدارة المرفأ كان مسجّلة باسم القبطان السابق أباكوموغ فياشكيف، علماً بأنّ القبطان بروشكيف بوريس تسلم الباخرة في العاصمة التركية إسطنبول. كذلك يستند الصرّاف إلى القرار ١/٣١ الصادر يوم 26/1/1966، الخاص بنظام المرافئ والموانئ، ليخلص إلى أنّ المواد الخطرة تُنقل إلى مستودعات الجيش إذا كانت مستوردة، لكن لا علاقة للجيش إذا كانت المواد عابرة بحالة «ترانزيت»، مع تأكيده أنّ الحمولة الخطرة تمنع أصلاً دخول السفينة إلى الحوض البحري.
كذلك يتطرّق الصرّاف إلى الحريق الذي اشتعل في العنبر الرقم 12 قبل أن يتسبّب في انفجار نيترات الأمونيوم، فضلاً عن وجود شبهات في إفادات عدد من المسؤولين عن أمن المرفأ، لجهة غياب السجلات التي تُثبت منح تصاريح أمنية لأشخاص كانوا يدخلون حرم ميناء بيروت البحري، علماً بأنّ هذا ليس كل ما في جعبة الوزير الصرّاف الذي تكشف المصادر المطّلعة على التحقيق أنّ المحقق العدلي بصدد استدعائه قريباً للاستماع إلى ما لديه من معلومات.
من جهة أخرى، لم يُرسل المحققون الفرنسيون تقريرهم النهائي بشأن انفجار مرفأ بيروت، مع أنّه كان متوقعاً نهاية شباط الماضي. وقد استمع المحقق العدلي إلى المدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي والمدير العام بدري ضاهر أمس، بعدما كان قد استمع الأسبوع الماضي إلى المدير العام للنقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي ومدير الميناء في المرفأ محمد المولى. كما كان البيطار قد استجوب الضباط الموقوفين في القضية، بينهم الرائد في جهاز أمن الدولة جوزيف النداف والعميد في مخابرات الجيش انطوان سلوم والرائدان في الأمن العام داود فياض وشربل فواز، إضافة إلى مدير عام المرفأ ومدير العمليات ورئيس مصلحة البضائع والمسؤول عن العنابر ومدير الحرس داخل حرم المرفأ. تجدر الإشارة إلى أنّ هناك معلومات تتحدث عن قرب اتخاذ المحقق العدلي قرارات بالموافقة على إخلاء سبيل موقوفين مظلومين وآخرين استنفدوا أمد التوقيف الذي يستحقونه تبعاً لحجم مسؤوليتهم.