لم تدُم الضجّة حول المواد النووية المشعّة التي أعلن عن وجودها في مختبرات منشآت النفط في الزهراني اكثر من أيام معدودة، إذ سرعان ما طوي ملفّها، بعدما جرى نقلها الى مختبرات الوكالة الوطنية للطاقة الذرية، لتطرح تساؤلات ما اذا كانت هناك مواد خطرة أخرى في مناطق مختلفة، بعدما سلّط انفجار بيروت الكارثي في آب الماضي الضوء على واقع الاهمال في التخلّص منها.
والمواد النووية المشعّة هي عبارة عن 9 عبوات زنة محتوياتها مجتعمة 1450 غراماً، ومعظمها من مادة الـ”ACETATE URANYL”، بالاضافة الى مواد تحتوي على “اليورانيوم”، حيث تمت عملية تسليمها من قبل إدارة منشآت نفط الزهراني الى الوكالة الوطنية للطاقة الذرية التي نقلتها الى مختبراتها لتكون في عهدتها، وذلك وسط تدابير امنية مشددة داخل المنشآت وفي محيطها وبمواكبة من مخابرات الجيش اللبناني والمديرية الاقليمية لأمن الدولة ومفرزة شواطئ الجنوب في قوى الأمن الداخلي. وجرى توضيب عبوات المواد المشعّة في صناديق عازلة من “الفلّين” من قبل خبراء من الوكالة الوطنية للطاقة الذرية، ارتدوا ألبسة واقية، وتمّ عرضها امام ممثلي وسائل الاعلام وتزويدهم بنسخ من محضر التسليم والتسلّم بعد توقيعه من قبل مندوبي المنشآت والوكالة.
وقال مدير منشآت النفط في الزهراني زياد الزين: “بعد الاتصالات المثمرة بين وزارة الطاقة والمياه والهيئة الوطنية للطاقة الذرية والمجلس الوطني للبحوث العلمية، طلبنا نقل هذه المواد الى الهيئة الوطنية للطاقة الذرية لأنّها خيّرتنا بين احتمالين: إما أن نحفظها في الزهراني وِفق معايير وأصول محدّدة، أو تنقل الى الهيئة، فكانت اجابتنا “اعط خبزك للخباز” والوكالة هي الجهة المختصة والمولجة بمعالجة هذه المواد، نعلن انتهاء هذا الملف، وتسليم هذه المواد الى الهيئة وهناك محضر تسليم وتسلّم واضح”.
وأضاف: “هذه المواد دخلت منذ زمن طويل حين كان يوجد مصفاة وليس فقط منشآت نفط، ومن أتى بها يعرف تماماً استخداماتها وأهميتها ولم يكن هناك معاهدات دولية، ولم تصنّف حينها ضمن المواد النووية وانّما الكيميائية. واليوم الجهة المخوّلة أوضحت لنا أنّها مواد غير خطرة وستتمّ معالجتها وفقاً للأصول والمعاهدات الدولية وانها ستستخدم في الأبحاث والدراسات”، مشيراً الى أنّ “تاريخ وجود هذه المواد في الزهراني يعود الى العام 1960”. من جهته، قال ممثل الهيئة الوطنية للطاقة الذرية الدكتور عمر الصمد: “جئنا لتسلّم ونقل المواد التي كانت مجهولة، وبعد أخذ عينات منها وتحليلها تبيّن أنّها مواد مشعّة لكن غير خطرة”، مشيراً الى أنّ “هذه المواد يجب أن تكون بحوزة الوكالة الدولية للطاقة الذرية حسب اتفاقيات لبنان”.
وتبقى اسئلة ما بعد التسليم والتسلم: اين التحقيق حول هذه المواد ومصدرها، ووجودها اكثر من 60 عاماً، ما هي أهمية هذه المواد ولماذا بقيت مخزنة طوال هذه المدة ولماذا استقدمتها الطواقم الأميركية وهل كانت تحتاجها في عملها؟ وكيف تمت المحافظة عليها وضمن أي شروط وإجراءات علمية وهل كانت تشكل خطرا في مكان وجودها؟ ومن احتفظ بها على رغم المعارك الكثيرة التي حصلت في المنطقة والأضرار التي تعرضت لها المنشآت؟ وهل يجب الإكتفاء بمحضر التسلم والتسليم فقط أم التوسع في التحقيق؟