كتبت ديمة حسين صلح:
يعيش لبنان أسوأ ازماته منذ الحرب الاهلية، فهناك الأزمة الصحية “كورونا”، والأزمات الاقتصادية والمالية التي تعصف به جراء السياسات المالية التي اتبعت على مدى عقود، و تفشي ظاهرة الفساد في الادارات، وسياسة الحصار و العقوبات، ومشكلة الدين العام، والعجز في الموازنة، وهذا ما أدى إلى انهيار العملة اللبنانية وبالتالي سحق الطبقات الشعبية والوسطى في البلد والقضاء على العديد من المؤسسات.
لقد جعلت هذه الأزمة دخل الفرد اللبناني لا يتجاوز الـ ٨٠$ بعد أن كان يساوي ٨٠٠$.
هذا ما انعكس تردياً مزرياً على كافة المواطنين في كافة المناطق اللبنانية التي كانت صيرورة الحياة الاقتصادية و الأمنية طبيعية فيها قبل الازمة، ولكن ما الحال في منطقة تكاد لا تعدّ ضمن نطاق الدولة اللبنانية ولا اي دولة بالمفهوم المتعارف عليه عالميا باستثناء الدولة اللبنانية “الفريدة بين الدول”.
بعلبك المستباحة بأمنها و استقرارها و اقتصادها و معيشها، باتت اليوم ابّان الأزمة “مضربا للمثل” في الفلتان الامني و ارتفاع منسوب التعديات والجريمة والسرقات والتشليح والتزوير والغش، ومرتعاً للفارين من العدالة وأصحاب السوابق وحصناً لمروجي المخدرات ومتعاطيه.
ورغم كل الآفات الاجتماعية التي تفاقمت في بعلبك بسبب الازمة، إلا أن آفة السرقة من اجل تعاطي المخدرات شهدت تزايداً كبيراً في الآونة الأخيرة. ان أغلبية من يقعون في المخدرات هم من فئة الصغار “بين ١٤ و ما دون ٤٠”، والفراغ يشكل ٤٠% من أسباب التعاطي.
ويعتبر الكبتاغون الأكثر انتشارا لدى الشباب في المنطقة، ويحتوي على مادة الرصاص والاسيد ومانع الحمل والزئبق، وهذه التركيبات تتلف خلايا المخ لدى متعاطيها.
عادةً كان المدمنون في بعلبك يحصلون على المخدرات بأسعار زهيدة وذلك لأن البائعين يقدمون نوعية سيئة منها، فيخلطونها مع الطبشور او عظام البقر أو الأسبرين وغيرها.
وكانت سيجارة الحشيشة لا يتعدى سعرها العشرة آلاف ليرة ويعتبرها كثيرون “مادة للضيافة” تقدم مع مواد مخدرة أخرى.
امّا فيما يخص الهيرويين فهو من المواد الممنوعة والخطرة نظرا لسعره الزهيد الذي كان يتراوح بين عشرة آلاف وعشرين ألفا للغرام الواحد والسبب في ذلك يعود إلى حالة الشباب المادية الرديئة، “فالهيرويين” يستقدم من أفغانستان و باكستان و يختلف عن الكوكايين المرتفع السعر الذي يتراوح بين ٣٠$ و ١٠٠$ للغرام الواحد الذي يستورد من كولومبيا او فنزويلا، فيتعاطاه البرجوازيون والميسورون من الشباب.
تؤثر المخدرات على المتعاطي ومن حوله، فهي قادرة على تحويل الأفراد من أشخاص قادرين على التفكير والتعقل، إلى أشخاص غير مأموني الجانب، وخطرين على من حولهم، فهي سريعة المفعول في تغيير واختلال طرق تفكير الأفراد المتعاطين وتغيير ميولهم واتجاهاتهم، ما يجعلهم غير قادرين على مقاومتها ورافضين لتركها ومتهربين من محاولة مساعدتهم على العلاج من ادمانها.
ان تعاطي المخدرات يحوّل الفرد من عضو فاعل إلى عضو غير فاعل وضار ومريض ويشكل خطرا على أسرته وماله ومجتمعه، فالمتعاطي يميل إلى الانتحار وإيذاء الذات والوقوع في جرائم السرقة، وهذا ما تفاقم في منطقة بعلبك. فبعد ارتفاع أسعار المخدرات بالتوازي مع انهيار قيمة العملة الوطنية و انعدام السيولة بين الناس، و كون المنطقة مهمشة انمائيا و فيها إعداد هائلة من العاطلين عن العمل، بات يعمد المتعاطين و هم بأعداد عالية للسرقة التي باتت أمرا اعتياديا وتمارس في وضح النهار دون خشية من اي تبعات قانونية أو تعرّض للملاحقة.
فازدادت عملية سرقة البطاريات و أجهزة الشحن لعواميد الانارة التي تعمل على الطاقة الشمسية، ولوحات الطاقة واللمبات على الأعمدة واغطية الريغارات وعملية التشليح وسرقة السيارات بهدف بيعها والحصول على المواد المخدرة.
ولا يخفى الغطاء الذي يؤمنه حزب الله لأفراد عصابات ترويج المخدرات و تسهيل عمليات التهريب والخروج العلني عن القانون العام.
ومع ان الجيش وقوى الأمن قاموا بضبط العديد من معامل الكبتاغون في “بوداي و يونين و بريتال ” وهذه المناطق تعتبر معاقل لحزب الله وتحت سيطرته، ولكن منطقة بعلبك- الهرمل تحتاج دائما إلى خطط أمنية ومتواصلة وهو أمر صعب جدا، فعديد الأجهزة الأمنية مقارنة بمساحة محافظة بعلبك الهرمل ضئيل، والجيش اللبناني الذي ينتشر على الحدود الشرقية بأكملها “من معربون حتى الهرمل مرورا بعرسال” غير قادر على تأمين انتشاره على الأرض بشكل دائم، وهو ينفذ دوريات مؤللة على الطرقات الدولية والفرعية ولكنه لا يستطيع السيطره وحده على هذه الآفة،من هنا ضرورة تحديد الجهات الأساسية التي تقع عليها مسؤولية الحد من هذه الظاهرة.
اولا الدولة: ليس فقط من خلال الملاحقة والمداهمة بل من خلال وضع تشريعات قانونية وقائية وتوكيل علماء الدين في إقامة حلقات دروس ودورات توعية حول أضرار تعاطي المخدرات وحرمتها ،وكذلك من خلال اعتماد مواد في المناهج التربوية في كافة المؤسسات للتوعية من مخاطر المخدرات، ودعم المنطقة انمائيا وتعزيز القطاعات الزراعية والصناعية لتوفير فرص عمل للشباب.
ثانيا الاعلام:وذلك من خلال إطلاق حملات دعائية للفت نظر الشباب حول مخاطر المخدرات، وتنظيم حلقات تلفزيونية وعبر الأثير ووسائل التواصل الاجتماعي حول خطر المخدرات وعواقبه، وزيادة الرقابة على ما يعرض على الشاشات.
ثالثا الأسرة: من خلال توفير جو هادئ للطفل خالي من المشاكل الاسرية و العنف الأسري، وتعزيز ثقته بنفسه، كذلك التعرف على الأصدقاء وذويهم من الطفولة و فتح سبل النقاش بين الآباء و الأبناء وتوفير بيئة تربوية صالحة.