كتبت بولا أسطيح في صحيفة الشرق الوسط:
أرخت الأزمة الاقتصادية بثقلها مؤخرا على السجون اللبنانية، ورفع السجناء وعائلاتهم الصوت منبهين من حصول «مجاعة» إذا استمر تراجع كميات المواد الغذائية التي يتلقونها ومن تدهور وضعهم الصحي في ظل فقدان الأدوية وصعوبة دخول المستشفيات.
وعمم المرصد اللبناني لحقوق السجناء قبل أيام بيانا صادرا عن سجناء المبنى «ب» في سجن رومية المركزي، شرق بيروت، قالوا فيه إنهم يرزحون بين «مطرقة غلاء أسعار الحانوت (دكان السجن) وبين سندان أزمة الدولة المالية التي باتت عاجزة عن تأمين طعامهم بحيث تم التقليل من كمياته إلى الربع». وأشاروا إلى أن لسان حالهم هو تمني «الإعدام الميداني على الموت بدل الجوع والحاجة»، منبهين من ازدياد الوضع الصحي سوءا «خصوصا بعد رفض المستشفيات استقبال السجناء نتيجة عدم دفع مستحقاتها من قبل الدولة».
ونفّذت جمعية لجان أهالي الموقوفين في السجون اللبنانية أمس الثلاثاء اعتصاماً أمام سجن رومية تحت عنوان «المجاعة والمرض والموت البطيء تطرق أبواب سجن رومية». وطالب المعتصمون بإقرار قانون العفو العام بأسرع ما يمكن، مهددين بالتصعيد.
وأشار وزير الداخلية محمد فهمي إلى أن «الضائقة التي تعصف بالاقتصاد اللبناني وتدهور سعر صرف الليرة أرخت بثقلها على كافة فئات المجتمع ومن بين هؤلاء السجناء والموقوفون وعائلاتهم»، موضحا أن «المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تقوم سنويا بتلزيم مواد غذائية لإعانة السجناء من ضمن الاعتمادات المرصودة في الموازنة لهذه الغاية، وبسبب ارتفاع أسعار المواد والسلع واللحوم والدواجن لم يعد باستطاعة التجار تسليم نفس الكميات السابقة خاصة اللحوم والدواجن». ولفت فهمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «قد تمت مراسلة وزارتي الاقتصاد والمال من أجل تأمين مواد غذائية مدعومة لزوم المطابخ الموجودة في السجون الكبيرة كما الحوانيت لبيعها للسجناء بالأسعار المدعومة، وهذا ما باشرنا به بالفعل».
وأوضح فهمي أنه «لم يتم وقف إطعام السجناء مادتي اللحم والدجاج، والصحيح أنه تم تخفيف الكميات إلى مرة كل 10 أيام نظرا لارتفاع أسعار التكلفة على الملتزمين بتوريدها، وعدم تناسب السعر مع سعر التلزيم»، لافتا إلى أنه وبما يتعلق بالوضع الصحي، «توجد مبالغ متراكمة تخص استشفاء عناصر قوى الأمن الداخلي وعائلاتهم إضافة إلى السجناء، أما في الوقت الراهن فهناك تفاهم مع المستشفيات التي تقوم باستقبال السجناء وتأمين علاجهم، إلا أننا نواجه بعض الصعوبات بتأمين المبالغ النقدية لفروقات تأمين المستلزمات الطبية في الحالات التي تستدعي ذلك، ويتم تأمينها عبر بعض المؤسسات كاللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من الجمعيات التي تساعد في تجاوز الأوضاع الصعبة».
ويبلغ عدد السجون اللبنانية 25 وعدد السجناء حسب إحصاء حديث 6989 سجينا، موزعين ما بين 5391 في سجن رومية المركزي والسجون الأخرى، و1598 موقوفا في النظارات وقصور العدل وأماكن الاحتجاز التابعة لقوى الأمن الداخلي.
ويكشف أحد السجناء في رومية لـ«الشرق الأوسط» أنهم رفعوا طلبا رسميا لإدارة السجن يوم الاثنين الماضي للسماح لعائلاتهم بإدخال الطعام لهم أسوة بباقي السجون، مشددا على أنه لا يجوز معاقبة 3500 سجين في «رومية» إذا كان بعض السجناء في فترة ماضية حاولوا إدخال ممنوعات عن طريق الطعام المستقدم من الخارج، مضيفا: «كما تقوم القوى الأمنية بتفتيش الوجبات في باقي السجون، يمكنها أن تقوم بالمثل في رومية، لا أن تحرمنا من الطعام خاصة في المرحلة الحالية التي لم تعد خلالها قادرة على تأمينه بالكميات اللازمة». ويوضح السجين الذي رفض الكشف عن هويته أن كمية الطعام التي يتم تقديمها انخفضت إلى النصف، مشيرا إلى أنهم يحصلون على وجبتي طعام، وبالتحديد الفطور والغذاء، ويقول: «النوعية كانت سيئة أصلا والآن أصبحت أسوأ… نحن نعيش بشكل أساسي على أكل البرغل والمياه».
ويؤكد السجين أن «الوضع الصحي أصبح صعبا جدا بحيث بات يُطلب من السجين تأمين أدويته وحتى مسكنات الأوجاع، كما أن المستشفيات التي تتعامل معها الدولة لم تعد متعاونة لأنه لم يتم تسديد المتوجبات عليها، لذلك يطلب من أي سجين تأمين المال اللازم لأي عملية جراحية يحتاجها قبل التوجه به إلى المستشفى». ويشدد على أنه «حين نرفع الصوت لا نهدف للضغط باتجاه العفو العام، لأننا بتنا ندرك أن هذا الملف لا يمكن أن يتحرك إلا بقرار سياسي، أما ما نطالب به وبخاصة لجهة تخفيض أسعار السلع بالحانوت وإطلاق حملة إنسانية لإغاثتنا فيتطلب قرارا إداريا يمكن أن يتخذ بسرعة».
ويشير مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس محمد صبلوح إلى أنه قبل الأزمة المالية والاقتصادية، كان السجناء في «رومية» يعانون أصلا من «الأسعار الجنونية» في الحانوت، ويكتفي القسم الأكبر منهم بالطعام الذي يُقدم في السجن لأن قدراته المادية منعدمة، لافتا إلى أنه ومع تفاقم الأزمة في البلد، أوقف القيمون على الوجبات التي تحتوي لحما ودجاجا وصولها. ويوضح صبلوح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه تواصل مع وزارة الداخلية التي أبلغته أنه يتم التنسيق مع وزارة الاقتصاد لتأمين بضاعة مدعومة، منبها من أنه «في حال استمر الوضع وبخاصة في سجن رومية، حيث يُمنع أهالي السجناء من إدخال الطعام إليهم، فنحن على أبواب مجاعة».
وكان النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، طلب مطلع الأسبوع من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي إيداعه تقريراً مفصّلاً على وجه السرعة حول عدم كفاية الطعام المقدَّم للسجناء في سجن رومية، وحول غلاء الأسعار داخل الحانوت، «تمهيداً لإجراء المقتضى بهذا الشأن».