كتب شارل جبور في “الجمهورية”:
تؤشّر التعمية المقصودة من قبل السلطة على كيفية إتمامها للانتخابات النيابية والبلدية في ظل تزامنهما في ربيع 2022، إلى نياتها الخبيثة الرامية إلى ترحيل الاستحقاق النيابي بحجة عدم القدرة على إتمام الاستحقاقين معاً؟
يفترض بأي سلطة مسؤولة ان تكون حريصة على احترام مواعيد الاستحقاقات الدستورية، أكانت رئاسية او نيابية او بلدية واختيارية، بعيداً عن اي تمديد تحت اي ذريعة، ولكن التجربة منذ العام 2005 دلّت عكس ذلك تماماً، وهو ان التمديد يُعتبر القاعدة المتبعة بما يخدم مصالح الفريق المًمسك بمفاصل السلطة، والذي يلجأ إلى الانتخابات بتوقيته لا بتوقيتها الدستوري.
وليس خافياً على أحد انّ الانتخابات النيابية المبكرة لا تحظى بتأييد الأكثرية الحاكمة وحتى قوى برلمانية أخرى تفضِّل مجاراة هذه الأكثرية على الصدام معها، والسبب في ذلك تجنبها مفاجآت شعبية بغنى عنها، خصوصاً ان الغضب الذي يعتمر صدور اللبنانيين يمكن ان يتفجّر في صناديق الاقتراع ويقلب النتائج رأساً على عقب، ليس داخل بيئة محددة فقط، كما يعتقد البعض، إنما في كل البيئات، وهذا ما يجعلها تقطع الطريق أمام اي انتخابات نيابية مبكرة.
ويرجّح ألا يتبدّل الواقع المأسوي بعد عام من الآن والذي سيكون عملياً بين حدّين، إمّا ان يتدهور الوضع بشكل دراماتيكي أكثر، وإمّا ان يبقى في أحسن الأحوال على المنوال الحالي، وفي الحالتين سيتضاعف الغضب الشعبي، لأنه بقدر ما تطول الأزمة، بقدر ما تتوسّع انعكاساتها لتطال معظم شرائح المجتمع، الأمر الذي يجعل التمديد لمجلس النواب سيِّد الموقف، لأنّ الأكثرية لن تختبر شعبيتها ولن تتنازل طوعاً عن أكثريتها. وبالتالي، سيكون لبنان أمام تمديد لمجلس النواب أقله سنة حتى ربيع 2023 بسبب الانتخابات الرئاسية في خريف العام الذي يسبقه، وفي محاولة لتقطيع الوقت من أجل تهدئة النفوس الغاضبة.
وتستفيد السلطة من تراجع ضغط الشارع الذي تحوّل فجأة إلى غير مبال بمجرى الأحداث وتطورها لأسباب واعتبارات مختلفة من أجل الدفع نحو التمديد للبرلمان، فيما عنوان الانتخابات المبكرة كان يجب ان يشكل المطلب الأول والأساس للناس الثائرة كونه يشكل مفتاح التغيير الذي يسعون إليه.
ويجب ان تتلقّف القوى السياسية الحريصة على الديموقراطية واحترام الاستحقاقات الدستورية إشكالية التزامن بين الانتخابات البلدية والنيابية من أجل الوصول إلى حلّ باكر لها، وعدم انتظار اللحظات الأخيرة التي ستستغلها السلطة بُغية التذرّع بضيق الوقت وأسباب أخرى طبعاً سعياً للتمديد الذي يشكل هدفها الأول، بانتظار إمّا تبدُّل مزاج الناس بفعل تبدُّل الظروف، وإمّا تغيير قانون الانتخاب، لأنّ إجراء الانتخابات على القانون الحالي يكشف وضعيتها الشعبية ويُفقدها أكثريتها النيابية.
وأي حلّ لهذه الإشكالية يجب ان يرتكز على الآتي:
أولاً، تقريب موعد الانتخابات النيابية لا ترحيله وتمديده وتأجيله. وفي التقريب حرص على الديموقراطية خلافاً للتمديد الذي ينسف مبدأها، خصوصا في حال كان متعذراً إجراء الانتخابات في موعدها الدستوري.
ثانيا، لا يشكل تقريب موعد الانتخابات انتقاصا من شرعية مجلس النواب التي باتت أساساً موضع شك على أثر انتفاضة 17 تشرين التي أظهرت تبدلاً عميقاً في مزاج الناس، وكيف بالحري على مسافة أشهر من انتهاء ولاية هذا المجلس؟
ثالثا، لن تتمكن السلطة من إجراء الانتخابات النيابية والبلدية بسبب هذا التزامن في موعد إتمامهما، وبالتالي ستكون مضطرة إلى تأجيل أحد الاستحقاقين، والتأجيل عبر التمديد هو ضرب لإرادة الناس، بينما تقريب الموعد يشكل احتراماً لهذه الإرادة، خصوصا انّ التقريب لا يتجاوز الستة أشهر.
رابعا، قد يقول قائل: فلتقرّب إذا الانتخابات البلدية والاختيارية لا النيابية، وهذا غير صحيح لثلاثة اعتبارات أساسية:
الاعتبار الأول له صِلة بنقمة الناس وغضبها ومطالباتها بانتخابات نيابية مبكرة، كما قوى سياسية أخرى في طليعتها «القوات اللبنانية»، وفي ظل استقالات لقوى وشخصيات أخرى.
الاعتبار الثاني يتعلّق بالأزمة الاستثنائية التي يعيشها لبنان، وهي أزمة متعددة الأوجه، مالية وسياسية ووطنية، وبداية الخروج من أزمة من هذا القبيل تكون عن طريق إعادة إنتاج سلطة جديدة تحظى بثقة الناس وتستفيد من زخم الانتخابات بغية ان تكون قادرة على قيادة البلد إلى شاطئ الأمان.
الاعتبار الثالث يرتبط بالانتخابات الرئاسية التي على مجلس النواب المنتخب في ربيع العام 2022 ان ينتخب الرئيس الجديد، فيما اي تمديد محتمل سيكون لسنة لاعتبارين. الأول والأساسي سياسي بامتياز من أجل ان ينتخب المجلس الحالي الرئيس المقبل، لأنّ الأكثرية الحالية تخشى من نتيجة الانتخابات النيابية وتريد إبقاء سيطرتها على مفاصل السلطة بدءاً من الرئاسة الأولى، وبالتالي تفضِّل ان ينتخب المجلس الحالي الرئيس المقبل. والاعتبار الثاني تقني لتزامن الانتخابات النيابية والرئاسية في حال تم التمديد للمجلس لخريف العام 2022.
وفي حال لم تبتّ هذه المسألة اليوم قبل الغد، فهذا يعني انّ التمديد لمجلس النواب سيتحول إلى أمر واقع، فيما يجب كمرحلة أولى اختبار نيات الأكثرية على رغم ان اتجاهها واضح بالتمديد، ومن ثمّ الضغط من أجل انتزاع تقصير ولاية مجلس النواب حتى الخريف المقبل، فتكون الحكومة العتيدة في حال تشكلت حكومة انتقالية بوظيفتين أساسيتين:
الوظيفة الأولى إصلاحية بامتياز، فتتحول إلى ورشة عمل متواصلة تنكبّ على تحضير رزمة الإصلاحات المطلوبة وتفتح خطوط التواصل مع الخارج وصندوق النقد في الطليعة، وتقوم بكل ما يلزم بغية فرملة الانهيار وإعادة ترسيخ الاستقرار، لأنّ الخطر المحدق بلبنان لا يحتمل الانتظار
الوظيفة الثانية انتخابية بامتياز، فتقوم بإعداد كل التحضيرات اللازمة لإتمام الانتخابات النيابية في الخريف المقبل بعد ان تكون الأكثرية قد تعهّدت بتقصير ولاية مجلس النواب، وخطوة من هذا النوع تؤدي إلى انفراج سياسي بعد الانفراج المالي المحقّق بالوظيفة الأولى.
فالرأي العام لا يرى في الحكومة العتيدة أي فرصة إنقاذ حقيقية بسبب الخلافات العميقة التي رافقت عملية التأليف، بل يتوقّع ان تنسحب خلافات التشكيل على جلسات مجلس الوزراء، والمخرج الوحيد لتمكين الحكومة من القيام بعملها الإنقاذي يكمن في تحديد وظيفتها ليس فقط الإصلاحية، إنما أيضاً السياسية-الانتخابية، لأن إحدى العقد الأساسية التي تحول دون تأليف هذه الحكومة تتمحور حول اعتبارها آخر حكومات العهد وانها ستتولى إدارة مرحلة ما بعد الفراغ الرئاسي. وبالتالي، مجرّد ان يُصار إلى تحديد مدة الحكومة ووظيفتها يعني أنه أزيلت من أمامها عقدة أساسية، وإزالة هذه العقدة يفسح في المجال أمام الحكومة بأن تقوم بعملها الإصلاحي بعيداً عن الترسيمات داخلها، لأن أولوية القوى السياسية ستتركّز على التحضير لخوض الانتخابات النيابية باعتبار ان التوازنات التي ستفرزها هذه الانتخابات داخل المجلس القادم ستتحكم بحكومة ما بعد الانتخابات والاستحقاق الرئاسي، ما يعني ان هذه الحكومة ستحاول تحقيق اي شيء من أجل الإطلالة على الرأي العام بالصورة التي تمكّنها من خوض هذه الانتخابات والحفاظ على وجودها وحضورها.
فالخيار اليوم، في حال تشكلت الحكومة، سيكون بين حكومة تبقى إلى ما بعد انتهاء الولاية الرئاسية الحالية وفي ظل تمديد لمجلس النواب والعنصر المشترك فيها الخلافات والانقسامات، وبين حكومة لها مصلحة بتحقيق الإنجازات والتحضير لانتخابات تعيد إنتاج سلطة جديدة وتضع البلد على سكة التعافي، فأيّ من الخيارين سيسلك طريقه؟