كتبت رلى موفّق في “اللواء”:
بدا كلام الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله عن الوضع اللبناني، والذي جاء في نهاية إطلالته التلفزيونية الأربعاء ولم يتعدَّ بضع كلمات، كأنه من باب رفع العتب، في وقت يحضر ملف تأليف الحكومة بقوة فرنسياً وأوروبياً مقروناً بالتلويح باللجوء إلى إجراءات عقابية ضد المعرقلين إلى أي فريق انتموا. قال إن هناك جهوداً جادة وجماعية من أكثر من طرف لتذليل العقبات، لكنه اتّكأ على «الدعاء» لتحقيق ذلك. «دعاء» لا مكان له في علم السياسة، ولا يقي الدول الفاشلة من شر القيّمين عليها، ولا من الممسكين بقرارها إنفاذاً لأجنداتهم ومشاريعهم الكبيرة والصغيرة، إنما يؤشّر إلى أن الأوان لم يحن بعد.
فثمة ثابتة يدركها الجميع على مرّ الحكومات منذ ما بعد «اتفاق الطائف»، أنه لا فريق سياسياً لديه «الثلث المعطل» لوحده. وإذا سلمنا جدلاً أن موازين القوى المختلة قادرة على فرض ثلث معطل لفريق رئيس الجمهورية وتياره السياسي، فإن «حزب الله» رغم «الحلف الوثيق» ليس في هذا الوارد عندما تأتي الساعة. وهذا أمر يعرفه جيداً الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل. وما دام طرحهما يتناول «الثلث المعطل»، فمعنى ذلك أننا لا نزال في الوقت الضائع. ولا بأس بالنسبة لـ«الحزب» من أفكار تُحرق هنا، ومبادرات تُغرق هناك، ومن تهشيم للمؤسسات الدستورية ولمكانتها، ومن إضعاف للنظام إذا كان كل ذلك يصبّ في نهاية المطاف في إنهاك الآخرين، وفي تكريسه ملجأ للجميع، وتثبيت موقعه في حل وربط النزاعات بين القوى اللبنانية وكأنه «الراعي من فوق».
في الوقت الضائع، يأتي تحرك الشريك في «الثنائية الشيعية» نبيه بري. يُنقل عنه قوله: «هاتوا لي بتعهدٍ واضح بعزوف عون وباسيل عن مطلب الثلث المعطل، والباقي عندي لناحية الرئيس المكلف سعد الحريري ودفعه إلى القبول بحكومة الـ24 وتقسيمة الثلاثة أثلاث»، وهكذا يكون جرى إخراج الحل على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب». في الأجواء أن هذه الخطوة ربما تتحقق، قبل أن تظهر عقبات جديدة كامنة في كيفية احتساب الأثلاث وفي تفاصيل الأسماء والحقائب، ولا سيما حقيبتي الداخلية والعدل.
الواقع أن ليس هناك من مناخات إقليمية ودولية مؤاتية لتأليف الحكومة إلا إذا جاءت لتزيد ربحاً على أوراق طهران، بمعنى المواصفات الخالصة لـ«محور إيران» الذي اتخذ منذ وصول جو بايدن إلى «البيت الأبيض» قراراً واضحاً بالتصعيد في كل الساحات حيث نفوذه وأذرعه العسكرية. ومثل هكذا حكومة صعبة المنال مع الحصار المحكم على لبنان وسوريا والذي أدخل البلدان في أتون الانهيار المالي والاقتصادي المفتوح على كل الاحتمالات. فالحريري يعلم أن حكومة لا تلبي الحد الأدنى من المواصفات التي يريدها المجتمع الدولي هي وصفة «الفشل المضمون»، والقضاء على ما تبقى من مستقبل سياسي له. فحتى تشكيل «حكومة مَهمة» وفق المبادرة الفرنسية ما عاد مضمونا نجاحها، بعدما خسر لبنان أشهراً خمسة كانت تُشكل فرصة ثمينة لفرملة السقوط، وبعدما تغيّرت المعادلات في المنطقة.
فالمبادرة الفرنسية جرى إفراغها من مضمونها، ووهنت مع الزمن، وأصابت ماكرون الذي يعاني داخلياً، وكان ولا يزال يراهن على تحقيق نجاح ما في لبنان يعزز مكانة فرنسا الخارجية بما يعزز من أسهمه أمام الرأي العام الفرنسي. فالخارجية الفرنسية باتت تتابع بشكل شبه كلي دقائق الملف اللبناني، ويتولى وزير خارجيتها جان-إيف لودريان مباشرة التواصل مع الأطراف اللبنانية لحلحلة العقد. وتتحدث المعلومات عن محاولات لبنانية، نُسب جزء منها إلى الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، تجري مع الفرنسيين من أجل اقناع الحريري للسير بتشكلية الـ24، بحيث تتشكل الحكومة، ويصبح ممكناً معها المساعدة في احتواء ولو نسبي للانهيار، ويكون ماكرون قد عزز رصيده وموقعه حيال الداخل، وإزاء الأوروبيين، وفي علاقة الشراكة مع الأميركيين حيال نظرة التعامل مع لبنان.
غير أن المحاولات مع باريس لدفع الحريري إلى السير بحكومة الـ24 تبدو وكأنها تسير في الخط المعاكس لأجواء التصعيد الآتية من الجانبين الإيراني كما الأميركي، ذلك أن ذهاب الخارجية الأميركية عبر «برنامج مكافآت من أجل العدالة» إلى الإعلان عن مكافأة مالية تصل إلى عشرة ملايين دولار مقابل معلومات عن عضو «حزب الله» سليم عياش لتورطه في عمليات تهدف إلى إلحاق الأذى بأشخاص أميركيين، يعني أن إدارة بايدن قررت الاستمرار في سياسة التصعيد حيال «حزب الله»، في إطار الضغوط عليه. ولم تقرر اعتماد سياسة المهادنة معه التي من شأنها أن تنعكس إيجاباً على الساحة اللبنانية.
كل ذلك يجري على وقع تنامي القلق من تداعيات الانهيار، سواء في لبنان الذي بدا جلياً حجم الترابط بينه وبين سوريا، نظراً إلى دور إيران و«حزب الله» في البلدين، ما يجعل من الصعب بمكان عزل تأثيرات وضع أحدهما عن الآخر، وقد يكون ذلك هو الحال أيضاً في رسم مستقبل كل من البلدين. حتى الساعة المستقبل لا يعدو كونه خراباً.