Site icon IMLebanon

إحياء مراسم الجمعة العظيمة في مختلف المناطق

أحيت الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي، رتبة الجمعة العظيمة في مختلف الكنائس والأديرة.

وترأس الاباتي انطوان راجح الرتبة في دير مار الياس- انطلياس، والقى عظة قال فيها: “ان سر يسوع الفصحي حمله وبشر به بلا اختلاف الانجيليون الاربعة، متى، مرقس، لوقا ويوحنا، وان الاناجيل الاربعة والمؤرخين والكتاب الرومان يوثقون ان المحكوم بالصلب يجب ان يعرى، وهذا يعني ان يكون ضعيفا ومكشوفا وبوضع مخجل، فالمسيح اتى ليعيد لجنسنا البشري كرامته الاصلية وقبل ان يصبح عريانا كي يلبسنا نعمته وهو يتماهى ويشعر معنا كي يخلصنا، فمن عري صليبه يعيد لنا حلة البرارة وسترة التعزية وثوب البنوة”.

أضاف: “نحن اليوم في ظل جائحة غير منظورة تكشف عري البشرية التي وصلت الى تأليه ذاتها باختراعاتها، وادت الى افقار سريع لبلدنا وبلدان اخرى، افقار بلبل حياتنا وقضى على زهونا واحلامنا، فاصبحنا ضعفاء وعراة امام ما يفتك بنا، واصبحت بديهيات الحياة مفقودة، لكن المسيح استطاع ان يظلم السماء كي يستر عرينا، وبرهن عن عظمة ومخرج لم يتوقعهما البشر، ونحن اليوم نؤمن انه ما زال قادرا ان يستر عرينا بطريقة لا تخطر على بالنا”.

وتابع: “مع كل الالم الذي يحمله الصليب فهو ليس باعثا للحزن بل يحمل الحياة ويبيد النتانة فينا ويحيي العطر، ولكن ذلك يتطلب مرورا طويلا بالصوم والالم والصبر لخروجنا الى القيامة ولكي يستند ايماننا على قدرة الله”.

واعتبر أن “صلباننا متنوعة وكثيرة اليوم، ولكن يجب ألا نسمح لهذه الصلبان أن تبعدنا عن مسيحنا ويجب الا يدب فينا اليأس في ما يتعلق بحقيقة المسيح بسبب اي شر في المجتمع لاننا عاجزون عن معالجته بوسائلنا البشرية، فالاعتصام بالرب خير من الاتكال على البشر، صليبنا هو صليب الصبر والانتظار بفضيلة الايمان بالرغم من كل ما هو مفسد للرجاء والامل”.

وختم راجح: “اذا كنا ننتظر خلاصا بشريا وسلاما مزيفا وعابرا فنكون مخطئين، اما اذا كنا ننشد فرح القلب عربون الحياة الحقيقية غير المحدودة في الزمن فنسجد كلنا اليوم امام صليب يسوع لنستمد منه النور لان تأملنا بعمق سره يخرج من ضعفنا قوة ويطهرنا من الافكار السيئة التي تشوش عقلنا، ونتوجه الى ام يسوع قائلين: فليكن موت ابنك حياة لنا ولطالبيها”.

وترأس راعي ابرشية جبيل المارونية المطران ميشال عون، في كنيسة السيدة في عمشيت، رتبة سجدة الصليب، عاونه فيها خادم الرعية الخوري شربل الخوري، في حضور مدير المراسم والعلاقات العامة في رئاسة مجلس الوزراء الدكتور لحود لحود، قائمقام جبيل نتالي مرعي الخوري، رئيس مكتب امن جبيل العقيد شارل نهرا وحشد من المؤمنين.

وألقى عون عظة اشار فيها الى اننا “وصلنا بنعمة الرب الى هذا اليوم العظيم الذي فيه نتأمل آلام الرب يسوع الخلاصية، ومن خلال هذا التأمل نسجد لصليب الرب يسوع ونتأمل ايضا في هذا الحب الفياض الجارف الذي تجلى على الصليب بعطاء لا مثيل له”.

وقال: “نحن لا نبكي اليوم على يسوع بل نستقبل حبه بحياتنا، الحب الذي يعطي المعنى لكل الآلام والمظالم الموجودة على ارضنا، فيسوع البار اراد ان يحقق كل نبوءات العهد القديم، لم يدافع عن نفسه بل حمل كل الام البشرية والمظالم والخطايا لكي يعطينا بقيامته الانتصار والمعنى لكل شيء يحصل في حياتنا.

وذكر بكلام قداسة البابا بأن يسوع المصلوب حامل الآلام نراه اليوم في كل انسان يتألم بسبب الحروب والمصالح والمظالم والاطفال الذين يموتون جوعا ومن الاجنة التي تجهض، وكل الالم الموجود في العالم يسوع المصلوب موجود فيه وهو من خلال ذلك يتابع خلاص العالم، وكل هؤلاء المتألمين والموجوعين اذا ما نظروا الى الرب يستقبلون منه الحب عندها يختبرون ان هذا الخلاص يتحقق ايضا اليوم في الواقع الذي نعيشه”.

وأضاف: “هذا الواقع ليس بعيدا عنا، فنحن نعيش اليوم اياما صعبة في وطننا لبنان، فالى جانب انتشار وباء كورونا في كل العالم، يضاف اليه الكم من المشاكل بدءا بالمشكلة السياسية الخانقة التي انعكست ازمة اقتصادية ومعيشية ومالية، حيث الكثير من ابنائنا يتألمون ويفقدون الرجاء، لذلك نسأل يسوع لكي ينظر الى آلامنا ويحولها الى ألم خلاصي، فالمسيحي لا يتذمر لكنه يتعلم ان يحمل الصليب مع الرب يسوع، الذي تحول معه من ارداة للظلم والهوان الى صليب نور وحياة”.

وتابع: “يسوع يدعونا كمسيحيين وكل ذوي الارادة الصالحة لاستقبال حبه لكي نشارك فيه مع الآخرين للتخفيف من الألم في العائلة والمجتمع والوطن، لانه بالمحبة نساهم في نهضة وطننا بمساعدة الآخرين وبالتخلي كسياسيين عن مصالحنا الخاصة الضيقة والحزبية من اجل مصلحة الوطن”.

وختم عون: “لنحمل في صلاتنا كل متألم وموجوع ومظلوم ووطننا لبنان الجريح، ولنصل الى الرب كي يملينا جميعا من محبته وانواره السماوية التي تجعلنا ننظر الى الواقع بعينيه ونحب بقلبه، عندها يعطينا الايمان والرجاء وعدم اليأس ونعرف انه بعد كل ألم هناك قيامة بقوة الحب الذي يزرعه يسوع في قلب كل واحد منا، والخلاص الذي يحققه بالاشخاص الذين هم ينقلونه للآخرين، فنصبح جميعا سببا للرجاء الجديد لوطننا ومجتمعنا”.

في منطقة البترون، ترأس راعي أبرشية البترون المارونية المطران منير خيرالله الرتبة في كاتدرائية مار إسطفان، بمشاركة خادمي الرعية الخوري بيار صعب والخوري فرنسوا حرب، في حضور عدد من أبناء الرعية.

وألقى خيرالله عظة بعنوان “يسوع يموت على الصليب وهو يحب ويغفر”، قال فيها: “من على الصليب، وبينما يسوع المصلوب يظهر، وهو ابن الله العلي القدير، أنه محتقر ومزدرى من الناس ومن أهل بيته وشعبه، يكشف سر الله، سر الحب اللامحدود للبشر. وفيما هو يموت يملأ الموت بالحب، هذا الحب المجاني الذي يبذل ذاته الى أقصى الحدود. فتأتي الشهادة من قائد المئة، هذا الوثني، فيقول: حقا كان هذا الرجل ابن الله. دهش بالحب المبذول حتى النهاية لأنه رأى يسوع يموت ظلما وهو يحب ويغفر، ويزرع الحب حتى في الموت، فانتصر على الموت بالحب والمغفرة. وترك لنا وصيته الأخيرة والوحيدة التي تلخص الكتب وتعاليم الأنبياء والشريعة: أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم. وما من حب أعظم من أن يبذل الانسان نفسه في سبيل أحبائه” (يوحنا 15/12ـ13). أحبوا أعداءكم وصلوا من أجل مضطهديكم، لتصيروا أبناء أبيكم الذي في السماوات (متى 5/44)”.

أضاف: “هل نحن قادرون على هذا الحب؟ اليوم وفي ظروفنا الاستثنائية والكارثية؟ إنها وصية تتحدانا اليوم في عمق كياننا وإنسانيتنا والتزامنا المسيحي. فلنتطلع الى يسوع المصلوب اليوم أمامنا ومعه الآلاف من المصلوبين في مجتمعنا ووطننا، وهم: المرضى من وباء كورونا وغيره من الأمراض المزمنة والمميتة، والمتألمون، والمنبوذون، والمحتقرون، والمظلومون، وفاقدو الكرامة والحرية، والفقراء، والجائعون الى رغيف الخبز، وضحايا الحروب والإنفجارات والتهجير، والمجرمون والظالمون عن اليمين وعن اليسار. ونقول له: حقا أنت ابن الله! أنت ربنا وإلهنا! كم تحبنا من على صليبك وكم تظهر لنا أننا محبوبون من الله بالرغم من ضعفنا وخطايانا وجرائمنا! أذكرنا يا يسوع إذا ما جئت في ملكوتك” (لوقا 23/42)”.

وختم: “أعطنا يا يسوع المصلوب، يا يسوع الحب اللامتناهي، أن نشهد لهذا الحب فتتحول حياتنا الى الالتزام فقط بمحبة الله ومحبة القريب. والقريب هو يسوع المسيح المتجسد في كل محتاج الى محبة. أعطنا يا يسوع أن يصبح كل واحد منا طاقة محبة تتفجر في سبيل خدمة كرامة الانسان وحريته وإعادة بناء مجتمعنا على القيم المسيحية والانسانية، وبناء وطننا لبنان وطنا رسالة في الحرية والديموقراطية واحترام التعددية في العيش الواحد الكريم”.

في طرابلس، ترأس المونسنيور نبيه معوض، رتبة سجدة الصليب، في كاتدرائية مار مارون، بمعاونة الأبوين راشد شويري وجوزاف فرح، ومشاركة حشد من المؤمنين.

وحمل الأباء نعشا رمزيا للسيد المسيح وطافوا به في أرجاء الكنيسة، وسط الصلوات وقرع الاجراس.

وألقى معوض عظة تناول فيها معاني المناسبة، واكد ان “المسيح جاء ليخلص العالم من الخطيئة والشر”، ودعا المؤمنين الى “التسامح وترسيخ المحبة والسلام والابتعاد عن الكراهية والانانية”، آملا “ان تنجلي الغيوم السوداء عن الوطن مع قيامة السيد المسيح”.

أما في كنيسة مارت مورا في بلدة القبيات، فقد احتفل راعي أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف، برتبة سجدة الصليب، في حضور عدد من المؤمنين وسط الالتزام التام بالتدابير الوقائية لفيروس كورونا.

وألقى سويف عظة أكد فيها “اننا نؤمن بأن لبنان المعلق على الصليب سيغلب الشر بنعم صليب المسيح، فلبنان الكلمة والفكر وحضارة المحبة وثقافة الحوار والانفتاح والحرية، سيظفر على الظلم الذي قبل أن يأتي من الخارج، ينبع وللأسف من الداخل. ظلم بحق شعب، بحق الإنسان اللبناني، هذه الشخصية التي زينها الله بالقوة والخلق والإبداع وبقوة الحب والرجاء، فمن أزمة تلو الأخرى ومحنة تلو المحنة وظلم تلو الظلم وكل ذلك من جراء ممارسة خاطئة سيئة لإدارة الشأن العام”.

وتوجه الى المسؤولين قائلا: “نسألهم بحق صليب المسيح، ان يكفوا عن ممارسة الظلم بحق شعب يسير درب جلجلة شاقة طويلة، يأمل أن تنتهي فينعم بالخلاص والأمان والإستقرار، بحق صليب المسيح الفادي والمخلص، خذوا المبادرة الجريئة الشجاعة، كشجاعة هذا الشعب العظيم واستنبطوا الحلول غير منتظرين الخارج. استخدموا ما أوكلتم عليه بوضوح وشفافية وبحوكمة نظيفة وسليمة تؤمن للبنان بكل مناطقه الإنماء العادل وتصون كرامة كل مواطنة ومواطن. وما نطالب به القيمين على شؤون الوطن وعلينا، نطالب به ذواتنا، كل منا من موقع مسؤوليته”.

أضاف: “بحق صليب يسوع، توبوا الى الحب والعدل وأميتوا كل الأهواء وأنواع الطمع والجشع واستباحة خيرات البشر وأتعابهم، وعودوا الى الله رب الكون وسيد التاريخ، فاحص القلوب والكلى والذي يعرف الباطن، وارحموا شعبا كاملا يرزح تحت نير الجوع والفقر والعوز والبؤس، وأشفقوا على أطفال مات المسيح من أجلهم ليخرجهم من كل أنواع العبودية. تطلعوا الى آمال شباب يرغبون ببناء مستقبل لائق بسيط زاهر في وطنهم وعاملوهم كما ترغبون أنتم أن يعامل أبناؤكم”.

وتابع: “في هذا اليوم، نقرأ بعمق الأحداث التي عاشها يسوع، لحظة اختبر كإنسان الألم الذي لا نستطيع أن نستوعبه، وساعة تحمل الوجع كابن الله وقد قبله طوعا لهدف أساسي تجسد لأجله وهو خلاصنا. لذلك، هذا اليوم وبالرغم من أنه يوم حزن وألم، إلا أنه يوم عزاء وشكر، لأننا بدونه لكنا ما زلنا في الموت. إنه اليوم الذي أتم فيه يسوع من على الصليب كل شيء وحنى رأسه وأسلم الروح، فشققت الصخور، وانفتحت القبور، وانشطر حجاب الهيكل الى اثنين. بفعل حب كبير وطاعة مطلقة عاشها أيضا يوسف البار، حقق يسوع مشيئة الآب، وهو ما خطط له الله في فكره وقلبه بعد عصيان الإنسان والسقطة، إنها اللحظة حيث “تم كل شيء”. لاهوتيا إنه التدبير، هو مسيرة بدأت في العهد القديم واكتملت مع المسيح آدم العهد الجديد، وهي تتابع بوحي الروح القدس في الكنيسة. “لقد تم”، وهو تتميم لإعادة تكوين البشرية التي دخلت في منطق الأنانية والفساد والخطيئة والتكبر فولدت من جديد من أحشاء الله في اليوم السادس، يوم الجمعة”.

وقال: “يوم الجمعة، تلامس الأرض الصليب لتتكون من جديد في هذا اليوم السادس للعهد الجديد. اليوم، نسير مع الحمل درب الجلجلة لنساعده في حمل صليبنا كالقيرواني. اليوم، نترجى بإيمان مع لص اليمين أن تغفر خطيئتنا بفعل حب المصلوب، ونرتوي كالجندي من دم وماء جنب المسيح فتنفتح عيوننا. اليوم فلندخل القبر مع المسيح ليقيمنا معه منتصرين على إنساننا العتيق فندعى أبناء الصليب الظافر”.

وختم: “بالرغم من واقع الوباء الذي يمنعنا من المشاركة في رعايانا في الإحتفالات بيوم الجمعة العظيمة، دعونا نعيش روحيا وداخليا كل من مكانه رهبة السجود للصليب، وكلنا ثقة أنه سيخلصنا. تعالوا نسجد أمام صليب الجمعة فنتحرر من قيود الخطيئة التي تميت، وأفظعها اللامبالاة، وأشنعها الدوس على كرامة الإنسان، وأبشعها الظلم. دعونا لا نهرب من جراء ضعفنا البشري من صلبان الحياة الموجودة في دربنا، بل فلندرك بإيمان أن الصليب رمز العار والموت يتحول بالقيامة الى رمز الحياة الجديدة”.