كتب من وسام أبو حرفوش وليندا عازار في جريدة “الراي” الكويتية:
هل تنجح «الحياكةُ» التي تشهدها الكواليس السياسية بتوفير «مَخْرجِ الطوارئ» للبنان من الهاوية التي سقط فيها، أم أن «حكاية إبريق الزيت» ستحكم ما يُقدَّم على أنه «فرصةً لن تتكرّر» لتجنيب البلاد مصيراً مفتوحاً على أسوأ السيناريوات؟
سؤالٌ بدا من الصعب الحصول على جواب عليه في بيروت التي دخلتْ مرحلةً ستدقّ في آخِرها «ساعة الحقيقة» حيال إذا كان الواقع في «بلاد الأرز» سيبْقى عالقاً في شِباك الملف النووي الإيراني وحتى بلوغ تسويةٍ فيه، أم أن «قطبة مخفية» ستسمح بترييح المسرح الداخلي خشية أن ينفجر الوضع بين أيدي الائتلاف الحاكم فلا تعود «الورقة اللبنانية» قابلة حتى لأي مقايضة.
وتعاطتْ أوساطٌ سياسية بكثير من الحذَر مع المناخات التي استعجلت الحديث عن تفاؤل يُعتدّ به في أزمة تأليف الحكومة في ضوء المبادرة التي يُعمل عليها بدفْعٍ من رئيس البرلمان نبيه بري ومواكبة من الكنيسة المارونية على قاعدة تشكيلة من 24 وزيراً مقسمين وفق صيغة ثلاث «ثمانيات»، أي لا يكون لأي طرف فيها الثلث المعطّل، لافتةً إلى أن الأيام المقبلة ستكشف خلفيات وآفاق «إدارة المحركات» داخلياً، وسط اعتبار الأوساط أنها تراوح بين أمريْن: الأول أنها في إطار محاولة «شراء وقت» وامتصاص الضغوط الدولية المتصاعدة التي بلغت حدّ رفْع باريس «العصا» الغليظة مع تلويحٍ بعقوباتٍ لا تكون أوروبا وواشنطن بعيدة عنها، أو إجراءاتٍ رادعة أخرى.
والثاني أن حجم المخاطر الداخلية مالياً وأمنياً ومقتضياتِ حفْظ «خط رجعة» من حافة جهنّم، كما الاندفاعة الخارجية، وربما الحاجة لتراجُعٍ خطوة إلى الوراء لبنانياً لن يكون بالنهاية من «الجيْب الاستراتيجي»، كلّها عناصر أمْلت وضع الحكومة العتيدة على سكة الاستيلاد.
وإذ استوقف الأوساط نفسها النبرة الجديدة للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله في مقاربة الأزمة الحكومية والتي بدت بعيدة تماماً عن السقف «الهجومي» لخطابه قبل أسبوعين، فإنّ دوائر أخرى قاربْت هذا التحوّل من زاويتين متعاكستيْن: الأولى أن كلام نصرالله عن«جهود جدية وجماعية لتذليل العقبات أمام تأليف الحكومة وأن البلد استنفد حاله ووقته وروحه»، ينطوي على رغبة بعدم «الإجهاض المبكر» للمبادرة التي يعمل عليها بري وتلافي الانضمام إلى «جبهة معرقليها» المعلَنين.
والثانية أن الحزب الذي كان من الأساس يفضّل حكومة الـ 24 نجح بعد مرحلة «الإنهاك» الطويلة بالإطاحة بحكومة المَهمة الفرنسية التي انطلقت من معيار «المصغّرة» وتضمّ وزراء اختصاصيين مستقلين، لتصبح من اختصاصيين غير حزبيين وتسميهم القوى السياسية عن بُعد، والآن موسّعة، بما يجعل الإفراج عن حكومةٍ تكون أقرب إلى نصف انتصار لحليفه رئيس الجمهورية ميشال عون ونصف انكسار للرئيس المكلف سعد الحريري خياراً غير مُكْلِف عليه ولا لمحوره الإقليمي.
وبأي حالٍ تقول مصادر مطلعة إن كل هذه القراءاتِ تبقى رهن ما ستفضي إليه الاتصالات التي تتكثف والتي يُنتظر أن تنجلي نتائجها بعد عطلة عيد الفصح، داعية إلى رصْد موقف عون وفريقه من المبادرة التي تردّد أن الكنيسة المارونية أرست «الاتفاق الإطار» الخاص بها وخصوصاً لجهة شراكة رئيس الجمهورية في التأليف وليس فقط في قبول أو رفض الأسماء المعروضة عليه وأن لا مكان للثلث المعطّل لأي طرف في الحكومة أياً كان حجمها.
أما التفاصيل التي يجري استكشاف الموقف منها، فهي أن تكون حصة الثلاث ثمانيات لرئيس الجمهورية مشتملة على وزير «الطاشناق» وحقيبة الداخلية على أن يُبدي رأيه في كل أسماء التشكيلة.
وتشير الأوساط إلى أن هذه التفاصيل فيها «الكثير من الشياطين» مثل كيف ستوزَّع الحقائب الـ 22 ونوعيّتها على كل طرف، وهل ستجري محاولات لـ «تسلُّل» معيار التكنو – سياسية إليها، ومَن سيُسمى للحقائب وآلية التسمية، وهل يوافق عون على إدراج «الطاشناق» في حصته، والحريري على التخلي عن «الداخلية» لعون في حكومةٍ إما ستدير انتخابات 2022 النيابية التي ستلعب بحال جرت في موعدها دوراً رئيسياً بتكريس تفوُّق «مرشحين رئاسيين» (مثل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل) وأحزابهم أو العكس، وإما ستتحوّل «رئاسية» إذا أرجئت الانتخابات وتَكرَّر الشغور الرئاسي، ناهيك عن السؤال حول هل تكون «الداخلية» من خارج حصة الثمانية لعون؟
وإذ أشارت معلومات أمس إلى أن الحِراك ما زال في أول الطريق ومن المبكر القفز إلى تفاؤل بقرب ولادة الحكومة، برز موقف لبري خلال استقباله وزير الصحة العراقي حسن التميمي، الذي التقى كبار المسؤولين باحثاً سبل تعزيز التعاون والتحضير لاتفاقية تزويد لبنان بالنفط الخام مقابل الخدمات الطبية والصحية، إذ أكد «للأسف لبنان مهدد بالانهيار والسقوط إذا بقي الوضع على ما هو من دون حكومة».
على أن الموقف الأبرز لبنانياً كان للبطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي وشكّل السقف الأعلى بإزاء «حزب الله» ووضعيته خارج الشرعية، إذ توجّه في تسجيل مصوّر جرى تداوُله إلى الحزب سائلاً «لماذا تقف ضد الحياد؟ هل تريد إجباري على الذهاب إلى الحرب؟ تريد إبقاء لبنان في حال حرب؟ هل تأخذ برأيي حين تقوم بالحرب؟ هل تطلب موافقتي للذهاب إلى سورية والعراق واليمن؟ هل تطلب رأي الحكومة حين تشهر الحرب والسلام مع إسرائيل؟ علماً أنّ الدستور يقول إن إعلان الحرب والسلام يعود إلى قرار من ثلثي أصوات الحكومة».
وأضاف: «ما أقوم به أنا هو في مصلحتك، أما أنت فلا تراعي مصلحتي ولا مصلحة شعبك»، معلناً أنّ «أناساً من حزب الله يأتون إلينا ويقولون: هيدا السلاح ضدنا مش قادرين بقى نحمل لأنهم جوعانين متلنا».
وختم: «لماذا تريد مني أن أوافق على وجوب أن توافق على الذهاب إلى موضوع فيه خلاص لبنان، ولا تريدني أن أوافق عندما تذهب أنت إلى الحرب التي فيها خراب لبنان»؟
وفي حين لم تعلن بكركي متى قيل هذا الكلام خلال لقاء مع مغتربين عبر «زوم»، فإن تقارير أشارت إلى أنه أعقب «السبت الكبير» في الصرح البطريركي في 27 فبراير الماضي تأييداً لطرحه حول حياد لبنان والمؤتمر الدولي.