صرخة الجوع في سجن رومية وصلت. صحيح أن السجناء لم يشعلوها ثورة إلا أن زيارة وفد من الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان إلى السجن يوم الأربعاء 31 آذار حوّلت المواقف الرسمية التي أنكرت وجود أزمة طعام وأدوية إلى اعتراف. وليس من مطلق أية جهة إنما على لسان وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي الذي صرح بأن “الضائقة الإقتصادية والمالية أرخت بثقلها على السجناء والموقوفين وعائلاتهم. وقد تمت مراسلة وزارتي الاقتصاد والمال من أجل تأمين مواد غذائية مدعومة وهذا ما باشرنا به بالفعل”.
الإعتراف الرسمي ناقضه كلام على لسان السجناء. فهل تم وقف إطعام السجناء مادتي اللحم والدجاج، أم أنه تم تخفيف الكميات إلى مرة كل 10 أيام نظرا لارتفاع أسعار التكلفة على الملتزمين بتوريدها؟
رواية مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين في طرابلس المحامي محمد صبلوح تفيد بأنه قبل يوم من زيارة وفد من الهيئة الذي ضم رئيسها فادي جرجس وأمينة السر رنا الجمل وبسام القنطار تفاجأ السجناء بطبق الأرز مع اللحم الذي تم تقديمه لهم على الغذاء.لكن في اليوم التالي تأخر موعد الغذاء والسبب بحسب أحد السجناء في المبنى “ب” أن الطبق كان كناية عن “جبلة” معكرونة بالصلصة. قتم تقديمه بعد انتهاء زيارة الوفد .
في الشكل، يمكن القول أن زيارة الهيئة كانت إستطلاعية لأوضاع السجناء بعد الشكاوى التي توالت بشأن المواد الغذائية، سواء لناحية رداءة النوعية، أو نقص الكمية، فضلا عن غلاء أسعار الطعام في حانوت السجن. لكن أياً من أعضاء الوفد لم يدخل إلى الزنزانات ولم يلتق سجينا علما أن صبلوح كان قدم إلى الهيئة تقريرا مفصلاً عن واقع السجن وأحوال السجناء. ويوضح صبلوح لـ”المركزية” أن الزيارة اقتصرت على المبنى “ب” فقط ، وشملت المطابخ ودورات المياه واستمعوا إلى بعض السجناء لكنهم لم يصغوا إلى وجعهم الحقيقي ومعاناتهم”.
في الطلب الذي رفعه صبلوح إلى الهيئة زيارة المبنى “ج” حيث تحصل عمليات تعذيب السجناء ويقول:” في هذا المبنى يتعرض السجناء للتعذيب وهناك شهادات ووثائق تؤكد على ذلك. وكنت أتمنى لو شملت زيارة الهيئة هذا المبنى لكن الحجة كانت ضيق الوقت ولم يتم تحديد موعد لزيارة ثانية مما يؤكد أنها كانت مجرد زيارة وهمية على غرار كل الزيارات الإستطلاعية التي تركز على المظاهر”. هل تفضي هذه الأزمة إلى العودة عن قرار إدخال الأهالي الطعام إلى السجناء والمتوقف بقرار من وزارة الداخلية بسبب اكتشاف ممنوعات ومواد مخدرة في الكميات التي كان يتم إدخالها؟
صبلوح كشف عن حل يطرحه للمرة الأولى ويقوم على “السماح لدار الفتوى بتخصيص صندوق يضع فيه أهالي السجناء الأموال وتتولى جمعية منتدبة من قبل وزارة الداخلية شراء الحبوب والمعلبات والمواد الأولية للسجناء بأسعار مدعومة وتوزيعها على السجناء لتفادي الدخول إلى حانوت السجن حيث الأسعار الخيالية. وتتولى نقابة المحامين في الشمال التنسيق مع دار الفتوى مما يخفف كلفة المواد عن الأهل ويمنح السجين جزءا من حقوقه” وشدد على أهمية اعتراف الوزير فهمي بوجود مشكلة في سجن رومية “ويبقى أن يصار تسليم إدارة السجون إلى وزارة العدل بحسب المادتين الأولى والثانية من المرسوم رقم 17315 الصادر بتاريخ 28-8-1964”.
قبل طرح قضية الجوع في سجن روميه عبر الإعلام كان الإنكار سيد الموقف والمنابر. اليوم تغير الكلام وما بعد الإعتراف لن يكون كما قبله بدليل أنه تم توزيع 150 حصة غذائية من قبل دار الإفتاء على سجناء رومية والآتي “نأمل أن يكون مرونة في التعامل لأن الحقيقة تؤكد أن الدولة بأجهزتها المختصة أغمضت عينيها عن معاناة سجناء رومية وحولته إلى مكان يفضل فيه القاتل والمغتصب الموت على الحياة خلف أسواره”.