جاء في “العرب اللندنية”:
تحول العراق إلى مركز اهتمام عربي في الأشهر الأخيرة، حيث تعدد الزيارات الرسمية من وإلى العاصمة العراقية بغداد لمسؤولين عرب وعراقيين.
وفيما يربط الخطاب العربي هذه العودة المفاجئة إلى بغداد بفكرة استعادة العراق إلى الحضن العربي يقول مراقبون إن الهدف من وراء ذلك هو سعي دول مثل لبنان ومصر والأردن للاستفادة من إمكانيات العراق كطوق نجاة بالنسبة إلى الدول غير النفطية. بينما تدفع السعودية باتجاه استعادة العراق لدوره العربي في سياق بناء التوازن الإقليمي مع إيران.
ولم يخف مسؤولون لبنانيون رغبتهم في تعزيز التعاون مع العراق في مختلف المجالات. وبلغ الأمر برئيس مجلس النواب نبيه بري إلى حد وصف هذا التعاون بأنه طوق النجاة بالنسبة إلى لبنان خاصة بعد أن فقد اللبنانيون الأمل في وعود المانحين بسبب أزمة تشكيل الحكومة والفيتو الذي ترفعه دول عدة على صرف المساعدات في ظل هيمنة حزب الله الموالي لإيران.
وأكد بري، خلال لقائه في بيروت مع وزير الصحة والبيئة العراقي حسن التميمي، على ضرورة تعزيز التكامل مع العراق، واعتبر أن من شأن ذلك تشكيل طوق نجاة للبنان من أزماته.
وأضاف “هذا التكامل في ظل ما يتهدد لبنان من مخاطر يمكن له أن يسهم في تأمين خمسين في المئة من طوق النجاة للبلاد من أزماتها”.
وعبر عن أسفه بالقول إن لبنان مهدد بالانهيار إذا بقي الوضع على ما هو عليه دون حكومة.
وأعرب الرئيس ميشال عون للتميمي عن تقدير بلاده “العالي لجهود الحكومة العراقية وموافقتها على تزويد لبنان بالنفط مقابل الخدمات الطبية”.
ويأتي الرهان على العراق بعد أن يئس اللبنانيون من العودة الخليجية إلى بلادهم في شكل مساعدات وقروض ميسرة واستثمارات وسياحة، وهو وضع زاد تعقيدا في السنوات الأخيرة بسبب الأزمة السياسية، وتحول لبنان إلى ملعب لصراع نفوذ إقليمي مكن إيران من وضع البلاد تحت يدها من بوابة حزب الله.
ويتفاءل اللبنانيون بالدور العراقي المستقبلي في بلادهم خاصة بعد توافد السياح العراقيين إلى لبنان.
وفي مرحلة ما قبل كوفيد والمقاطعة الخليجية كان العراقيون هم من يحرك سوق الفنادق والمطاعم والنقل الداخلي والعلاج في المستشفيات اللبنانية، فيما كان السائح الإيراني متقشفا قياسا بنظيره العراقي الذي كان يصرف بسخاء.
وما يشجع اللبنانيين على الاستنجاد بالعراق في مهمة “الإنقاذ” هو الاتفاقيات التي عقدها مع الأردنيين والمصريين، والتي أمنت للبلدين الحصول على النفط بأسعار تفاضلية، وفتحت أبواب العراق أمام الشركات الأردنية والمصرية، وهو أمر يمكن أن يستفيد منه لبنان.
وتوقعت مصادر سياسية لبنانية أن تشجع طهران الحكومة العراقية على الاستثمار في لبنان لفك العزلة عن حزب الله الذي بات يُتهم لبنانيّا بأنه يتحمل مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة في البلاد.
لكن الاهتمام اللبناني هو جزء من اهتمام عربي متزايد وخصوصا الدول التي كان العراق بالنسبة إليها سوقا للعمالة والمنتجات أو زبونا نهائيا للتجارة البينية المارة عبر موانئه، وبالخصوص الأردن ومصر.
واستضاف الأردن في أغسطس الماضي قمة ثلاثية جمعت بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. ومن المؤمل أن تشهد بغداد قمة مماثلة خلال الفترة القريبة القادمة.
وفيما تحتاج مصر والأردن إلى دخول السوق العراقية والاستفادة من الفرص التي توفرها مشاريع إعادة الإعمار، فإن العراق يتحرك لاستعادة نفوذه الإقليمي السابق من بوابة الاستثمارات وعقد اتفاقيات مشتركة خاصة مع دول تربطه بها علاقات تاريخية متينة كما لا يثير الانفتاح عليها غضب إيران والميليشيات الحليفة لها في العراق.
وسبق أن أعلن وزير النفط العراقي إحسان عبدالجبار بدء تصدير فائض الوقود الأسود إلى لبنان، اعتبارا من مطلع العام الحالي (دون تحديد الكمية). ويستخدم لبنان هذا النفط في تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، حيث تعاني البلاد أزمة حادة في توفير الكهرباء.
وكان العراق قد مدد بداية العام الحالي لعام آخر اتفاقا تفضيليا لتزويد الأردن بالنفط بعد لقاء في بغداد بين رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي ونظيره الأردني بشر الخصاونة، ليؤكد أنه المتنفس الاقتصادي الأساس للأردن وجزء من منظومة الأمان التي تساعد عمان على تجاوز واحدة من أسوأ أزماتها الاقتصادية في تاريخها.
وتعيش جالية عراقية كبيرة في الأردن وتعد من أهم المستثمرين في السوق الأردنية على الرغم من الصعوبات التي تواجه محدودي الدخل من هذه الجالية.
وكانت بغداد قد وقعت اتفاقا مع القاهرة يتيح للشركات المصرية أن تقوم بتنفيذ مشروعات تنموية في العراق في مقابل حصولها على كميات من النفط.
وأعادت الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي إلى الرياض ولقاؤه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحديث عن الدور العراقي عربيا إلى الواجهة، ومدى قدرة الدول العربية على مساعدة بغداد في لعب هذا الدور والتحرر التدريجي من نفوذ إيران.
وقابل السعوديون زيارة رئيس الوزراء العراقي بحفاوة تظهر أن رغبتهم في استعادة العراق إلى الصف العربي قد تجد طريقها إلى الواقع بدل الاكتفاء بمجرد إطلاق التصريحات والتمنيات.
ورغم تعهدات الكاظمي بمنع تحول بلاده إلى نقطة انطلاق لهجمات تستهدف أمن السعودية، فإن السعودية قابلت حماسة رئيس الوزراء العراقي بخطوات متوجسة على مستوى الاتفاقيات العسكرية، حيث اكتفت بالإعلان عن “تأسيس صندوق سعودي عراقي مشترك يقدر رأس ماله بثلاثة مليارات دولار” ليس أكثر.