Site icon IMLebanon

المساعدات للشعب ولا دعم “للدولة”: الإصلاحات أولا

يميّز المجتمع الدولي بين لبنان الشعب ولبنان الدولة. منذ 17 تشرين 2019 وانفجار الثورة الشعبية في الشارع، وبعد 4 آب 2020 وانفجار النيترات في المرفأ مدمرا العاصمة ببشرها والحجر، رسمت العواصم الكبرى خطا فاصلا واضحا بين اهل الحكم في بيروت، وبين الشعب الذي باتت تنظر اليه كرهينة مغلوبٍ على امرها، تختطفها المنظومة وتتهدد مستقبلها ببرودة دم قل نظيرها. هذه الصورة ترسمها مصادر سياسية معارضة، تقول لـ”المركزية” ان الدول المانحة ترفض ترك اللبنانيين وهي تصرّ على مساعدتهم في شتى الاشكال، معيشيا وانسانيا وصحيا وطبيا. ولهذه الغاية، نرى ان الجسور الجوية والمساعدات على انواعها، تصل في وتيرة شبه يومية الى بيروت، عبر المطار والمرفأ، من الشرق والغرب، وهدفُها واضح اعانة اللبنانيين الذين تزداد ظروفهم المعيشية صعوبة ساعة بعد ساعة، وقد بات اكثر من نصفهم تحت خط الفقر. على اي حال، مواقفُ المسؤولين الكبار في العالمين العربي والغربي، تؤكد في آن وقوفَهم الى جانب الشعب اللبناني و”قرفَهم” من الطبقة السياسية. وفي هذه الخانة صبّ كلامُ وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الاثنين الماضي حيث شدد على ان بلاده واوروبا ملتزمان بمساعدة الشعب اللبناني، في مقابل انتقاده وبشدة، اداءَ المنظومة الحاكمة وتقاعسها عن القيام بواجباتها وإحجامها عن مساعدة ناسها الذين يدفعون ثمن كيديات القوى السياسية ومناكفاتها.

الصورة باتت اذا كالتالي تتابع المصادر، دعمُ اللبنانيين بمقوّمات الحد الادنى للصمود سيستمر، الا ان اي دعم حقيقي وفعلي للبنان الدولة لن يأتي قبل ان تظهر المنظومة تبدّلا جذريا في سلوكها، يبدأ بذهابها سريعا نحو تأليف حكومة تكون مهمّتها الاولى والاخيرة “الاصلاح”. فمن دون هذا التأليف، سيبقى البلد الصغير يتخبط في أزمته الاقتصادية المالية السياسية، وحيدا، ويغرق فيها اكثر، ولن تُمد الى المنظومة اي يد او طوق نجاة، بالبلاش. فالدعم الخارجي مشروط بالاصلاحات، واي من المانحين العرب او الغربيين ليس في وارد وضع امواله في سلّة “مثقوبة” (هي الدولة اللبنانية) بعد اليوم.

في هذا الاطار، برز امس انتقاد وزير خارجية السعودية – اكبر داعمي لبنان مالا واستثمارا في العقود الماضية – فيصل بن فرحان، الطبقةَ السياسية في لبنان واشتراطه إجراء إصلاحات جوهرية في هذا البلد لمواصلة المملكة دعمها له. وأكد بن فرحان أن السعودية تأمل في أن يتمكن السياسيون اللبنانيون من الاجتماع بغية تبني أجندة إصلاحية حقيقية، مضيفا “إذا فعلوا ذلك فإننا سوف نقف هناك لدعمهم”. وتابع “لم يعد الوضع القائم في لبنان قابلاً للتطبيق، ولا تشعر المملكة بأنه من المناسب الاستمرار في دعم الوضع الحالي الذي قدم لاعبا غير حكومي، أي “حزب الله”، يتمتع بحكم الأمر الواقع وحق الفيتو على كل ما يجري في البلد ويسيطر على بنيته التحتية الرئيسة، فيما لا تفعل الطبقة السياسية سوى القليل للتعامل مع التحديات التي يواجهها الشعب اللبناني، سواء كان فساداً أو سوء الإدارة أو مشاكل أخرى”. واعرب بن فرحان، في حوار مع شبكة “CNN” الأميركية، عن أمل الرياض في أن يلقي اللبنانيون والقيادة اللبنانية والهيئة السياسية اللبنانية “نظرة جادة حقيقية” على الوضع الذي يمر به بلدهم، وأن “يتوحدوا في سبيل تبني إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية من شأنها أن تتصدى للتحديات التي يواجهها لبنان، وأن تقدم حلولا مستدامة للمستقبل”. وأبدى الوزير السعودي خشيته من أن يتجه لبنان نحو ظروف أكثر خطورة من أي وقت مضى، ما لم تكن قيادته السياسية مستعدة للمضي قدما في هذا السبيل.

من هنا، تضيف المصادر، فإن مطالبة البابا فرنسيس امس المجتمع الدولي بدعم لبنان- قائلا من الفاتيكان “ليختبر الشعب اللبناني الذي يعيش المآسي تعزية الرب القائم من بين الأموات وليدعمه المجتمع الدولي في أن يكون أرض تعايش وتعدّدية”- لن تحظى بآذان صاغية إلا جزئيا، فالمساعدة ستأتي نعم، لكن للشعب المنكوب وعلى شكل “إعاشات” ، كما يحصل في الدول المنهارة المارقة في السودان والصومال واليمن، مع الاسف، تختم المصادر.